img
مقالي عن الدكتور جابر قميحة في ذكراه الأولى
img
Print pagePDF pageEmail page

مقالي عن الدكتور جابر قميحة في ذكراه الأولى

بقلم / د. نعيم عبد الغنى

لدكتور جابر قميحة أديب شاعر عالم، له قلم سيال، ولسان قوال، ملأ الدنيا وشغل الناس بدراسة نافعة أو بقصيدة رائعة، أو بمقالة لاذعة. لا يهاب إلا الحق، ولا يتكلم إلا الصدق، اتخذ الأدب الإسلامي رسالته، فكتب فيه وأبدع، وأطرب وأمتع، لا تمل من سماعه وتعجب من لطيف إقناعه.

شرفت بصحبته وملازمته حينا من الدهر، فتعلمت منه الكثير في زمن يسير، تعلمت من قوله وعمله، فهو في القول حريص على أن يعلم ويربي الأبناء والتلاميذ، وهو أشد حرصا على تبني الموهوبين وإبرازهم للمجتمع، مفضلا أن يتوارى بالحجاب حتى يترك المجال للصغار أن يكبروا ، وللمغمورين أن يظهروا، وهو بهم فرح مسرور وبتفوقهم فخور جد فخور.

سمعت عن الدكتور جابر مذ كنت في الحادية عشرة من عمري؛ إذ كانت سمعته تطبق آفاق المنزلة وضواحيها وهي بيئتي الضيقة التي لا أعرف إلاها في هذا الوقت بحكم سني، وبدأت أرى له بعض المؤلفات التي رأيت عليها توقيعه وإهداءه لمكتبة مدرسة في قرية نائية من قرى مركز المنزلة بالدقهلية في مصر، وقد شرفت بعد بعدد من هذه التوقيعات على كتبه التي أهداها لي، وكنت هديته فرحا مسرورا

ودارت الأيام ودخلت دار العلوم بالقاهرة، وعلمت بوجود الدكتور جابر قميحة في القاهرة، ولكن لم أكن أتوقع مقابلته فضلا عن شرف صحبته؛ حتى كانت أمسية في رابطة الأدب الإسلامي بالقاهرة قلت فيها قصيدتين، الأولى من تأليفي والأخرى من حفظي، فنظر إلى الدكتور جابر وسألني عن اسمي وبلدي وكانت هذه بداية التعارف الذي كنت سعيدا به فخورا فأنى لمثلي أن يكون في صحبة هذه الهامة وأن يرتقي إلى رفقة هذه القامة؟

كان طريقنا واحدا، نأخذ المترو من مقر رابطة الأدب الإسلامي بالقرب من ميدان رمسيس بالقاهرة إلى بيته في الدقي وفي ذلك الحين بدأ يتابع بنفسه أخباري العلمية وساعدني كي أسجل درجة الماجستير التي حالت حوائل إدارية دون إكمالها بيسر، فوثق العرى بيني وبين أستاذي الدكتور علي عشري زايد -رحمه الله- الذي دفعني إلى أستاذي الدكتور محمد حماسة عبد اللطيف –متعه الله بالصحة – ليكون مشرفا علي، وكانت هذه الأعلام أنظر إليها من بعيد نظر المعجب، وأقرأ إليها في كتبها غير متوقع أني سأتتلمذ عليها بصورة مباشرة، وأصحبها فترة من الزمن قاربت العشر سنوات، ولكن على أية حال رزقني الله صحبة هذه الثلة المباركة متتلمذا على أيديهم، فلمست من خصالهم الإنسانية ما أثر في شخصيتي كثيرا، فهؤلاء الثلاثة، الدكتور قميحة والدكتور علي عشري والدكتور حماسة يتمتعون بتواضع جم، وعلم غزير، وكرم منقطع النظير، يهش في وجه من يسأله ويعطي من علمه وماله الكثير الكثير.

صحبت أستاذي الدكتور جابر قميحة فكان الدرس الأول لي فور تسجيل الماجستير أن أنهي دراستي سريعا، ولا أنقطع عن العلم فهو عبادة يتقرب بها إلى الله، والتأخر في إعداد الدراسة الأكاديمية يسبب الخمول ويقتل الإبداع، ومن ثم ينبغي الحرص على الوقت والاجتهاد في الطلب، ومما أحفظه من مقولات أستاذي الدكتور جابر قوله: (لو كان الوقت يشرى لاشتريته).

ولقد وجدت هذا الحرص والاجتهاد منه ولمسته عن قرب، فهو لا يذهب الندوات للتسلية، بل يعد لها إعدادا جيدا حتى وإن لم يكن محاضرا فيها، فأذكر مرة أن الدكتور عبد العزيز حمودة رحمه الله كان في رابطة الأدب الإسلامي يحاضر عن كتابيه المرايا المحدبة والمقعرة حيث انتصر فيهما لأصالة النقد العربي وهاجم الحداثة وكانت من كبرى الصفعات الموجهة إلى الحداثيين في ذلك الحين، فوجدت الدكتور جابر قد قرأ قراءة متأنية ومصطحبا الكتاب الذي كتب على حواشيه تعليقاته على الدكتور عبد العزيز حمودة، وكان درسا مفيدا في كيفية طلب العلم.

إن اجتهاد الدكتور جابر في طلب العلم لمسته عن قرب في مواقف كثيرة، فظهور الكمبيوتر والإنترنت دفعه لتعلم هذه الوسائل ليذهب إلى أماكن التعلم طالب للعلم غير ناظر إلى مكانه الرفيع ومكانته الكبيرة، وتحرك طلبا للعلم رغم مرضه وصعوبة تحركه.

ومن الناحية الإنسانية للدكتور جابر حدث ولا حرج، فهو كريم مضياف، يؤانس ضيفه ويدخل به في مواضيع شتى متنقلا بينها بمهارة شديدة، ثم يسأل عنه إن غاب عنه، ويطمئن عليه، بل يتحامل على نفسه ليحضر له مناسبة أو يقدم له تهنئة، ولقد كنت محظوظا إذ نلت كل هذا ولا أنسى تحامله على نفسه ليحضر لي مناقشة الماجستير والدكتوراه؛ ليظل ساعات طويلة جالسا مستمعا رغم ما به من مرض، وما يحس به من ألم وتعب.

شرفت بأن كتبت عنه بعض المقالات منها مقالة عن دلالة بناء الجملة في شعره، وقد ألقي ملخصها في نقابة الصحافيين، وكنت أتمنى أن أكون حاضرا ولكن بعدت الشقة وحالت بيني وبين الحضور لألقي ملخصا لبحثي أمامه وأمام محبيه، ولكني تابعت ما أتيح عن هذا الحفل على الإنترنت فخفف عني، أسأل الله أن يمتعه بالصحة والعافية وأن ينفع به الإسلام والمسلمين ولا أقول له إلا ما قاله القائل:

إن نحن أثنينا عليك بصالح

فأنت كما نثني وفوق الذي نثني

وأخيرا فطالب العلم ينبغي أن يضع أمامه جملة من الأقوال محاولا تطبيقها، ومن أنفس هذه الأقوال ما أردده دوما عن الإمام الشافعي –رضي الله عنه-:

أخي لن تنال العلم إلا بستة

سأنبيك عن تأويلها ببيان

ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة

وصحبة أستاذ وطول زمان

ولا أزعم أني طبقت قول الشافعي، فما زلت على بداية الطريق أتلمس هذه المعالم التي يصعب منالها، فطالعت سير العلماء من كل العصور وتأثرت بسلوكيات كثيرين وكان منهم أستاذي الدكتور جابر قميحة

Print Friendly, PDF & Email
قالوا عن د. جابر قميحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

img
القائمة البريدية
img