قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث ؛ صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له .
img
الرئيسية
img
Print pagePDF pageEmail page


الأديب الداعية الدكتور جابر قميحة (رحمه الله)

بقلم/ المستشار عبد الله العقيل 

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الإيمان، وكرمنا بدين الإسلام، وجعلنا تبعًا لسيد الأنام، محمد (عليه الصلاة والسلام).

وبعد،

فإن الشبكة العنكبوتية (النت) تعتبر وسيلة دعوية ومنبرًا مهمًا للدعوة الإسلامية؛ لما تتميز به من سهولة الإعداد، والتنقل بين صفحاتها، وسرعة الانتشار زمنيًا وجغرافيًا؛ مما يتيح الفرصة لرجال الدعوة لتوسيع دائرة نشر دعوتهم وآرائهم إلى أوسع مدى ممكن بعيدًا عن العوائق والموانع.

كما تتيح الشبكة العنكبوتية للدعاة فرصة تبادل التجارب فيما بينهم، وتقارب الرؤى والاجتهادات بسهولة مهما اختلفت مواقعهم من دول وقارات العالم.

كل هذه المميزات دفعت رجال الدعوة إلى استغلالها الاستغلال الأمثل، فقاموا بإنشاء كثير من المواقع الإلكترونية التي تهدف إلى تبليغ دعوة الله إلى الناس كافة، وتبصير المسلمين بأمور دينهم وإرشادهم إلى ما فيه صلاح دينهم ودنياهم.

كما هدف كثير من الدعاة من خلال إنشاء مواقع خاصة بهم إلى نقل خبراتهم الدعوية وتراثهم الدعوي إلى غيرهم؛ ليتم بذلك التوريث الدعوي بين الأجيال المتعاقبة، ولتكتمل الجهود، وتسير القافلة الدعوية عبر العصور منتهجة نهج رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ومستنيرة بتجارب السلف الصالح والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.

وقد حرص أبناء أخي المرحوم الدكتور جابر قميحة على الاستفادة من الشبكة العنكبوتية في الدعوة إلى الله، وحفظ تراث أبيهم الفكري والدعوي والأدبي، فعملوا على إنشاء هذا الموقع باسم الدكتور جابر قميحة (رحمه الله).

والأستاذ الدكتور جابر قميحة (رحمه الله) غني عن التعريف، فهو الداعية المجاهد، والكاتب الناقد، والأديب الشاعر، وهو من أبرز الكتاب والأدباء الذين حملت كتاباتهم الدعوية وأعمالهم الأدبية هَمَّ الدعوة إلى الله، ودافعت عن الدعوة والدعاة، فقد أوقف قلمه لله تعالى، وسخَّر كلَّ إمكاناته ووقته لها؛ مجاهدًا بالكلمة، وخادمًا لقضايا الأمة ومدافعًا عن مقدساتها وحرماتها.

والأخ الدكتور جابر (رحمه الله) صاحب المواقف الثابتة والوفاء الصادق لرفقاء الدرب الذين عرفهم عبر مسيرة الحياة الطويلة، وكانوا نماذج للرجال الذين عز وجودهم في هذا الزمان.

ولقد عرفته عن قرب، فكان نعم الأخ الكريم في صدق لهجته، ووضوح موقفه، ومحبته لإخوانه في العقيدة حيثما كانوا، وأينما وُجدوا، فهم حاضرون في ذهنه ووجدانه مهما بعدت ديارهم، وشتَّ مزارهم.. يذكرهم بالخير، ويدعو لهم بظهر الغيب، ويترحَّم على من سبقوا إلى الدار الآخرة.

ولد الدكتور جابر قميحة (رحمه الله) بمدينة المنزلة محافظة الدقهلية بمصر سنة 1934م، وقد عرف دعوة الإخوان المسلمين منذ كان طفلاً صغيرًا. فقد زار الإمام الشهيد حسن البنا المنزلة ـ مسقط رأس الدكتور جابر ـ وظل يخطب قرابة ثلاث ساعات، فجذب انتباه سكان المنزلة أطفالاً وشبابًا وشيبًا، فكانوا يستمعون إليه وكأن على رءوسهم الطير، ومن يومها والدكتور جابر واحد في صف دعوة الإخوان.

وفي سنة 1948م، عندما انطلق مجاهدو الإخوان يجاهدون في سبيل تخليص فلسطين من الصهاينة، كان عمره أربعة عشر عامًا، فحاول ـ في رجاء مستميت ـ أن يكون واحدًا ممن يشتركون في تحرير فلسطين، ولكن رئيس منطقة الإخوان رفض طلبه وإلحاحه، وقال له: يا جابر؛ أنت مازلت صغيرًا، كما أنك وحيد والدك.

فقال له الدكتور جابر: ولكن فضيلتكم ذكرت لنا أن الذي صرع أبا جهل ولدا عفراء الصحابية الجليلة، وكانا طفلين صغيرين. فاسمح لي أن أتطوع حتى لو قمت بتقديم الشاي للمجاهدين.

فقال له وهو يبتسم: اطمئن؛ فالمجاهدون لا يشربون الشاي.

ومن مواقف الأخ الدكتور الرائعة أنه عندما حصل على شهادة إتمام الدراسة الثانوية “التوجيهية”، كان من شدة حبه للإمام الشهيد حريصًا على أن يلتحق بكلية دار العلوم، وهي الكلية التى تخرج فيها الإمام حسن البنا (رحمه الله)، ولكن الإخوان أصروا على أن يلتحق بالكلية الحربية، وسلموه رسالة توصية للبكباشي أبو المكارم عبد الحي الذي حاصر أحد قصور الملك فاروق هو وعبد المنعم عبد الرءوف (رحمه الله)، وكانا أشجع رجال الثورة المصرية، وقد حكم عليهما عبد الناصر بعد ذلك بالإعدام، ولكنهما أفلتا منه.

وكان الالتحاق بالكلية الحربية لا يتحقق إلا باجتياز عدة امتحانات، فتقدم إليها الدكتور جابر وهو يدعو الله أن يرسب فيها، أو في بعضها حتى يلتحق بدار العلوم، ولكنه نجح بتفوق في كل اختبارات التقدم، ولم يبق إلا الكشف الأخير، وهو “كشف الهيئة”. ومعه توصية مكتوبة للبكباشي المسلم أبو المكارم عبد الحي، ولو سلمه التوصية لكان على قمة الناجحين. ولكنه لم يوصل التوصية خوفًا من نجاحه المؤكد. 

وتقدم (رحمه الله) بأوراقه لدار العلوم حبًا في الإمام الشهيد (رحمه الله)، وفي اختبار القبول ـ المسابقة القاسية التي نجح فيها ممن تقدموا لدار العلوم 300 طالب فقط من أصل 600 طالب ـ كان على رأس الناجحين؛ إذ حصل على مجموع 96%، وقام الأستاذ عمر الدسوقي الذي اختبره في مادة الأدب والنصوص الشفوية بتقديمه لطلاب الفرقة النهائية وهو سعيد به، قائلاً عنه: “التحق بدار العلوم هذا العام طالب غير أزهري اسمه جابر قميحة يحفظ حمل بعير من الشعر، ومثله من النثر”.  فكان طلاب دار العلوم يقصدون الأخ الدكتور جابر للسؤال عن أبيات من الشعر أو قطعة من النثر، وهذا من فضل الله عليه.

التحق الأخ الدكتور جابر (رحمه الله) ـ زيادة على دار العلوم ـ بكلية الحقوق بجامعة القاهرة، والذي دفعه إلى ذلك أنه رأى أحد ضباط الشرطة، وهو يعتدي على مواطن بريء في بلدته المنزلة. فقال في نفسه: ماذا أفعل لو أن هذا الضابط الظالم فعل بي مثل ما فعل بهذا المواطن؟

وحصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة، وحصل بعدها على دبلوم عالية في الشريعة الإسلامية. ولكن استهواه الأدب، فحصل على درحة الماجستير في أطروحة بعنوان “الفن القصصي في شعر خليل مطران”. وحصل على درجة الدكتوراة في أطروحة  بعنوان “منهج العقاد في التراجم الأدبية”. 

قام الأخ جابر (رحمه الله) بالتدريس في كلية الألسن، وفي جامعة يل YALE  بمدينة نيوهافن بالولايات المتحدة الأمريكية. والجامعة الإسلامية العالمية بمدينة إسلام آباد، وجامعة الملك فهد بالظهران. 

وله سياحات في مؤتمرات متعددة، وفي كل مكان نزل به كانت العقيدة الإسلامية، والدعوة لها تسري في كل جارحة من جوارحه، وقد فصل ذلك في مذكراته في أمريكا، وغيرها من المقالات والدراسات. 

وقد قالوا عنه بأنه أديب ناقد، ومعلم مربٍّ، وداعية ملتزم، وشاعر رسالي، وكاتب سياسي، وله دور كبير في تجديد الأدب الإسلامي، وأنه من أبرز المنافحين عن لغة القرآن، وأحد منظري الأدب الإسلامي على مستوى العالم.

وقد تميز أدبه بالفكاهة التي تتخلله، لم يبع كلمته يومًا ما، وسخر الكلمة لبث مستقبل مشرق لأمته العربية المسلمة، ولم تفتَّ الأيام في عزمه، بل زادته صلابة وقوة.

وكانت شمولية الإسلام واضحة في كتاباته؛ لأن الإسلام هو الدين الشامل للدنيا والآخرة وفي كل مجالات الحياة. 

وإن قصائده تتمتع بالجزالة والوحدة الموضوعية، وهو يستلهم القرآن الكريم والسنة النبوية في الكثير من أشعاره.

وقد شغلته قضايا أمته في فلسطين والبوسنة والعراق والكويت وغيرها، كما عاش هموم وطنه والاستبداد الذي يعيش فيه. 

وهو (رحمه الله) من شعراء المبدأ والقيم الذين يعرفون بالحق، ويحملون أرواحهم على أسنة أقلامهم، ويُسخِّرون موهبتهم التي منحهم الله إياها لإيقاظ الهمم وتصحيح الوعي الفردي والجماعي. 

وقد أخذ على نفسه عهدًا أمام الله بأن يظل سيف شعره وأدبه مشهرًا في وجه الباطل والجور والزيف والتضليل؛ حيث يقف حارسًا يقظًا على ثغور لغة القرآن، يأبى امتهانها باسم الحداثة، ويرفض الجور على أصالة الشعر العربي باسم قصيدة النثر. 

والدكتور قميحة (رحمه الله) أديب وناقد أكاديمي متحيز لموقف ومتعاطف مع تصور نبيل ومنتصر لمبادئ الفكرة الإسلامية فيما يصدر من إبداع.

رحم الله الأخ الدكتور جابر قميحة رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.

Print Friendly, PDF & Email
img
القائمة البريدية
img