د. جابر قميحة .. هل تسمعني ؟
د. نهى الزيني
وهكذا قدّر مقدّر المقادير سبحانه أن أرثيك ، وهكذا مضت أدمعي تنساب خطوطاً تنبش وريقاتي وبالحزن تفيض ، فهل تقرأني كما اعتدت أن تفعل دوماً ؟ هل تسمعني ؟
على درب الشهيد “عبد الله عزام” تمضي أستاذنا ، ذاك رجل جمعتنا محبته والمرء مع من أحب ، كم حدثتني عنه وكم استزدتك ، أفتراك اليوم لقيته على درب السائرين إلى الله ؟
“ياعبد الله ياعزام .. أنا أدعوك … أناديك .. فهل تسمعني ؟ هل تسمع صوتي ؟”
هكذا انسكبت أبياتك ترثي شهيد الجهاد بعدما اغتالته الأيدي الآثمة ، سألتني يوماً وقد رسمتُ بقلمي صورتك واقفاً على قبره منشداً : كيف بالله عرفتي ؟ أجبتك : عرفت لأني وقفت هنالك ذات يوم ..
يتردد النشيج فيجود خاطرك شعراً عملاقاً فارهاً كروحك الوثابة إلى العلا تتحدى الكون كله لتمجد خالق الأكوان ، أشاركك ذروة النشوة التي يجهلها المغرورون بدنياهم.. نشوة الاستغناء عن الخلق ، كل الخلق ..
“فلتمدحني .. أو تلعنّي .. أو حتى تتبرأ مني … لستُ أبالي ..”
تمضي عبداً لله وحده ، هامتك مرفوعة فوق المخاوف والمطامع والحسابات والدنايا ، تسألني ودهشتك تلوح كوجه طفل : كيف عرفتي ؟ فأجيبك : عرفت لأني أيضاً كنت هناك.. فتهتف أستاذنا :
“إن من يخدش ديني ، ويقيني .. مثل من يسحق قلبي … مثل من يقطع ، بالسيف وتيني ..
عندها … ليس إلا المدفع الهدّار.. يزهو غضبا .. ليس إلا أن أدكّ الغاصبا… ليس إلا أن تموج الأرضُ… من فيض المنايا … وأروّيها دمايا…”
ويذوب فؤادك حنيناً إلى الشهادة وإلى منزلة الشهداء فتهتف مستغيثاً مناجياً عبد الله عزام :
“مهلاً .. أبا محمدٍ ..
خذني معكْ ..
لكنه في سرعة الضياء .. راح وانطلق … مجاوزاً نهرَ المجرة والفلكْ .. لسُدة علويةٍ.. أرقى من الأقطار والسماء… لاتحدّها مشاعرٌ ولا بصر..
وخلفهُ ..
رأيتُ شلالاً من الدم الزكيّ.. والمضاء.. والإباء… والعلاء.. والضياء ..
يبتسم ..”
ثم جاء دورك أستاذنا لتتحرر من طين الأرض اللازب منطلقاً إلى تلك السُدة العلوية التي لها هفت روحك ، وجاء دوري لألقي عليك سؤال الدهشة الحائر : كيف عرفت ؟ فهل تسمعني ؟ هل تسمع صوتي ؟
ويخايلني وجهك بساماً كما كنت وقد لحقت بأحبابك وما أحببت طوال حياتك إلا طيباً..
فاللهم ارزق عبدك “جابر قميحة” من الطيبات وطيب مماته كما طيب بالمحبة وبالصدق وبسخاء العطاء حياتنا ، واحشره يامولاي مع من أحب من الصديقين والشهداء والصالحين ، وأعن اللهم أسرته الكريمة وكل من اقترب منه وارتوى من نبع عطائه الفياض كي يصبر على ظمأ الرحيل ومصيبة الفقد وغربة الأرض حتى نلقاه ومن جمعنا وإياهم طريقك في رحاب جنتك.. آمين .
اترك تعليقاً