img
يومياتي في أمريكا: بلاد الكلاب .. والخضرة .. والآيس كريم (40)
img
Print pagePDF pageEmail page

يومياتي في أمريكا:

بلاد الكلاب .. والخضرة .. والآيس كريم

(40)

فرح إسلامي في كلية اللاهوت

الاحد 24 من ذي القعدة 1402     ( 12 سبتمبر    1982  )

إنه يوم حقيقي من أيام العمر … إنه يوم الأخ الدكتور هشام حافظ المصري

الإسكندراني … الأستاذ بجامعة يل إنه حفل زواجه بكارولين التي أسلمت على يدي) … Divinity School  …وكانت ليلة الزفاف في كلية اللاهوت بجامعة يل (ولكن حتى نفهم تفاصيل هذا الحدث السعيد لابد أن نعود مع التاريخ في يوميات سابقة … كل منها تمثل شريحة تتجمع كلها ، إلى أن أدت إلى هذا الحدث السعيد

**********

كتبت في يومية الاثنين 2 من أغسطس سنة 1982 :

… فوجئت بصوت على هاتفي بمسكني في  كنر استريت في مدينة نيوهافن . وكان الحوار التالي :

ألو … ألو … دكتور جابر جمعة ؟  ــ

ــ  السلام عليكم ورحمة الله ، أنا اسمي دكتور جابر قميحة … لا جابر جمعة .

ــ  أنا آسف … وآنا اسمي : دكتور هشام حافظ … استاذ بجامغة يل.

ــ  مرحبا يا أخي أنا تحت أمرك…

ــ  هل تستطيع أن تقول : زوجتك … وتضع المنديل الأبيض …  ؟

 ( ابتسمت بيني وبين نفسي ، وواصلت الحوار مع الدكتور هاشم الذي كان يتكلم العامية المصرية عليها بعض طوابع الإنجليزية )  .

ــ  تقصد عقد قران ؟

ــ  نعم هذا ما أقصده ، ولكني لم أستطع أن أعبر .

ــ  على كل حال الحديث في الهاتف لن يأتي بثمرة ، واعتقد أن اللقاء بيننا سيكون مثمرا ، ويفي  بالمطلوب  .

ــ ما رأيك في أن أحضر إليك غدا ان شاء الله،وتتقبل مقدما تناول العشاء معي ،

    ونتحدث بالتفصيل ؟

ــ  هذا يسعدني ، وفي انتظارك غدا ان شاء الله .

**********

وفي يومية الثلاثاء 3 من أغسطس 1982 سجلت السطور الآتية :

… في السادسة والنصف مساء حضر الأخ الدكتور هشام حافظ ، الذي آراه لأول مرة : شاب وسيم في الثلاثين من عمره ، حسن الهندام ، جميل الطلعة ، فيه طيبة وهدوء ، يتحدث ببطء وبصوت منخفض ، وتناولنا العشاء في ضاحية 

) في مطعم فاخر أدخله لأول مرة …Hamden  

والمطعم مقسم إلى خانات خشبية ، وجو الديكور يعطيك انطباعا بأنك تجلس في سفينة ، وتوزيع الأضواء رائع ساحر . وكان العشاء سمكا مطبوخا على البخار ، وقد حليت كل سمكة باللوز ، وكذلك الأرز .

جلسنا في المطعم قرابة ساعة ونصف . وتحدث هشام : سأتزوج طالبة مسيحية اسمها ” كارولين ” … ستسلم علي يديك إن شاء الله . وشرح لي كيف عرفها وعرفته :

كنت أذهب إلى مكتبي في الجامعة في الصباح الباكر وافتح المصحف وأقرأ فيه قرابة ساعة بصوت مسموع ، ولفت نظري أن أرى طالبة تقف أمام المكتب كأنما تستمع إلي ، لم أعر المسألة انتباها ، وتكرر ذلك في اليوم الثاني والثالث ، ثم استأذنتني الطالبة أن تجلس في المكت لتستمع إلي ما أقرأ ، فرحبت بها ، وأخذت أتلو القرآن وهي تستمع إلي ، ودموعها تنحدر بغزارة من عينيها . نعجبت ، وسألتها : هل تفهمين العربية ؟ … فأجابت بالنفي . سألتها فلماذا تنحدر دموعك وأنت تستمعين لكلام لا تفهمينه ؟ أجابت : لا أدري … ولكني أشعر أن قوة خفية تشدني شدا إلى هذا الكلام ، وتعطف قلبي إليه . ثم سكتت برهة وسألتني : ما هذا الكلام الذي تقرؤه ؟

أجبتها على كل أسئلتها . فسكتت وقالت : لقد انفتح قلبي لهذا الكلام ، وأشعر أنني لا أستطيع أن أنفصل عنه .

وبدأت عاطفة الحب بيني وبينها ، وتحدثت معها في الزواج بشرط أن تسلم ، فوافقت دون تردد .

**********

وفي يومية السبت 7 من أغسطس  1982 سجلت الآتي :

فتحت صندوق بريدي بمسكني فوجدت فيه بطاقة أنيقة جدا … دعوة لحفل زفاف نصها كالأتي :

Dr. and Mrs. Walter S. Morgan  Request   The Honour of  your presence at the marriage of their daughter

Carolyn  fa Croix

to

                                 Dr.   Hisham Hafez

Sunday  , the twelfth of  September nineteen

hundred and eighty – two .

at four oclock

Marquand Chapel

Yale – Divinity School

400 Prospect street

ومع الدعوة داخل الظرف الكبير … ظرف صغير أنيق عليه طابع بريد ،

وعليه عنوان الداعيين : الأب والأم :

Dr. and Mrs. Walter S. Morgan

41 Jokeneke Drive

North haven , Connecticut 06473 

     وبداخل هذا الظرف الصغير بطاقة صغيرة أنيقة ، مكتوب عليها :

Please respond on  or before August 26 the , 1982

M ———————————————

                          Will ——– attend .

      وهناك بطاقة صغيرة أخرى مكتوب عليها :

Reception

Immediately following ceremony

Neo haven Country Club

160 Hartford Turnpike. 

**********

وفي يومية الاربعاء 25 من أغسطس  1982  سجلت الاتي : 

هاتفيا اتصل بي الدكتور هشام حافظ ، واخبرني أنه أنه حاول الاتصال بي يوم الاثنين الماضي دون جدوى … وطمأنته … وأخبرته أنني على استعداد لعقد قرانه في الميعاد المطلوب … وسأقوم بقراءة القرآن بالعربية والإنجليزية أمام الحاضرين  ليلة العرس . وكذلك سأقوم بمراسم الزواج بالعربية والإنجليزية في الليلة نفسها إن شاء الله…

وسعد هشام ، واتفقنا على اللقاء بعد أن أعود من رحلة كندا إن شاء الله .

**********

وفي يومية الجمعة 3 من سبتمبر  1982  سجلت الاتي :        

    … في السادسة والنصف مساء زارني الدكتور هشام ، وقدمت له آيات من سورة الفرقان مترجمة إلى اللغة الإنجليزية ، ففرح بها جدا، وقال : سأقوم بتصويرها وتوزيعها ــ إن شاء الله يوم عقد قراني .

إن الأخ هشام ذو عاطفة دينية قوية ، قرأ قدرا لابأس به في الإسلام وقواعده ، كما قرأ في المسيحية واليهودية ، وهو حريص على أن تسلم زوجته وقد قبلت ذلك . وأهلها كذلك وافقوا عن طيب خاطر على أن تغير ابنتهم دينها .

وفقك الله يا أخ  هشام ، وأسعدك فأنت إنسان طيب القلب ، نقي السريرة .

**********

  وفي يومية السبت 11 من سبتمبر  1982  سجلت الاتي :

   …. في الخامسة توجهت إلى كلية اللاهوت للقيام بعمل بروفة لحفل الزفاف الذي سيكون غدا إن شاء الله . وفي القاعة الكبرى التقيت لأول مرة بشقيق العروس ، وزوجته ، لقد عرفاني قبل أن أعرفهما ، وصاحا في نفس واحد

            Dr. Komeha  : Happy to see you .

ثم حضر الأب والأم والعريس ، وبعض أقاربه … وأهمهم شقيقتاه سعاد ومها اللتان حضرتا من الإسكندرية لمشاركة شقيقهم فرحه ، وكذلك رجل عملاق ذكي النظرات ، ناشط على كبر سنه… إنه الأمريكي الذي سيقوم معي بإجراءات عقد القران .

وبدأنا عمل البروفة . وكان الاستهلال تلاوتي القرآن باللغة العربية … بادئا بسورة الفاتحة ، وتبعها بقية إجراءات العقد … أسئلة أوجهها للعروسين ، وعليهما الإجابة ، ثم ختام بالقرآن … أيات من سورة الفرقان من قوله تعالى ”   ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ( 65    الفرقان من 63 الى 65 .

وهي الآيات التى أخذتها لهشام من سورة الفرقان مترجمة إلى الإنجليزية .

وكان هناك عازفة الموسيقى التى كانت تقوم بالعزف في لحظات التى يشير فيها زميلي الأمريكي الذي يقف أمامي على المنصة .

وبعد انتهاء البروفة انطلقنا إلى منزل أهل العروس في ضاحية Hamden   وتناولنا عشاء فاخرا ، كان العنصر الأساسي فيه هو السمك .

واختليت بالعريس والعروس في حجرة من المنزل ، وأسلمت العروس على يدي ، وجعلتها تنطق الشهادتين بالإنجليزية والعربية . وكانت جلسة عائلية طيبة .

إن العروس متوسطة الجمال ، وهي ــ على ما يبدو تحب ” الدكتور هشام ”  حبا صادقا . وفي حبها تبدو براءة الأطفال ، وآلها أسرة طيبة جدا ، وأبوها الطبيب الكبير إنسان أحببته من أول لحظة ، وأمها سيدة خفيفة الدم ، خفيفة الحركة ، وكانت الأسرة كلها في منتهى السعادة لسعادة بنتهم ، وقد تقبلوا اعتناق بنتهم للإسلام بسماحة ، وطيب نفس  .

**********

ونحن الآن في آخر الخطوات مع يومية الأحد 12  من سبتمبر 1982    

إنه يوم حقيقي من أيام العمر … إنه يوم الأخ الدكتور هشام حافظ المصري

الإسكندراني … الأستاذ بجامعة يل… إنه حفل زواجه بكارولين التي أسلمت على يدي

(Divinity School  …وكانت ليلة الزفاف في كلية اللاهوت بجامعة يل (   

وفي الثالثة والنصف مساء كنت في القاعة الكبرى ، وبدأ المدعون يدخلون بنظام على صوت الموسيقى ، ووقفت أنا وزميلي الأمريكي على المنصة ، وبدأت المراسيم بدخول العروس وهي تضع يدها في يد أبيها ، ثم يسلمها أبيها للعريس أمامنا ، وهناك صديق للعريس هو رؤوف ، وصديقة للعروس يدخلان على أنغام الموسيقى ، ووقفت أنا وزميلي الأمريكي العجوز … بدأت بقراءة الفاتحة ، ثم قرأ هو الفاتحة باللغة الإنجليزية ، ثم بدأ يوجه أسئلته إلى العروسين وكلها تدور حول الالتزام بقواعد الحياة الزوجية ومطالبها ، ومقتضياتها ، ومنها الحفاظ على الجسد والسمعة والخلق .

وألقيت أنا خطبة عقد القران … حمدت الله … وصليت على رسوله … وتحدثت عن الزواج وحكمته وضرورته لبقاء الجنس البشري ، ووجهت أسئلة لهشام ، ووجهت أسئلة لكارولين لتحقيق الإيجاب والقبول . وكان الدكتور الصاوي ( قريب هشام ) وابنه هما الشاهدان على العقد .

وقرآت آيات من سورة الفرقان . ثم قرأ زميلي الأمريكي مقطوعات بالإنجليزية من شعر جبران خليل جبران . وهنأ العروسين ، وهنأت أنا العروسين بعد ذلك من أعماقي . وكانت تهنئتي هي أخر ما قيل .

وخرج الجميع في نظام كما دخلوا في نظام ، وتوجهنا بعد ذلك إلى النادي 

Hamden     الذي سيتناول فيه المدعون العشاء وهو في ضاحية  

وكان فيه فرقة موسيقية تعزف الموسيقى القوية الصاخبة ، وبدأ العشاء وكان العنصر الرئيسي فيه قطعة كبيرة من اللحم البقري ، ويقال إن الفرد الواحد تكلف عشاؤه سبعين دولارا … أي أن على أهل العروس أن يدفعوا قرابة سبعة الاف دولار في عشاء هذه الليلة ؛ لأننا كنا مائة مدعو .

وفوجئت بعشرات من الأمريكين يشدون على يدي ويطلبون مني أن أعيد على مسامعهم ما تلوته من آيات القرآن ، وأخذوا يثنون على هذا الكلام .  وقالت لي إحدى الأمريكيات :

I never understand what you read , but I live in it .

… وأصرت على أن أترجم لها ما تلاوته من آيات .

وانتهى الحفل قرابة التاسعة والنصف . وانصرف هشام وعروسه إلى أحد بيوت أصهاره ليقضي فيه اسبوع العسل ، لقد كان يوما خفيفا موفقا .

الاحد 24 من ذي القعدة 1402     ( 12 سبتمبر    1982  )

قطرات نفس

حقائق وملاحظات

وهناك بعض الحقائق والملاحظات التي قادتني إليها وقائع هذا الفرح السعيد . أهمها :

1- كان حفل الزفاف كما ذكرت في القاعة الكبري بكلية اللاهوت ، وكان على المسرح صليب كبير جدا من عدة أمتار ، فأصررت على أن يرفع من المسرح  الذي سأقف عليه للقيام بإجراءات عقد القران ، فجاء الجواب من المسئولين بأنه مثبت في المسرح ، ومن المستحيل خلعه ، ووصلنا إلى حل وسط وهو أن يغطى هذا الصليب أثناء إجراءات حفل الزفاف بستارة كبيرة تخفيه .

2- اكتشفت أن الأمريكي العملاق الذي شاركني في بعض الإجراءات وأهمها قراءة مقطوعات من شعر جبران خليل جبران … اكتشفت فيما بعد إنه قسيس محترف ، وعلمت أنه تقاضى من أهل العروس 5000 $ مقابل مجهوده . وحمدت الله أنني قمت بهذا العمل قاصدا به وجه الله .

 3- دخول المطعم حيث كان حفل العشاء بنظام دقيق جدا ، فكل مدعو يعرف رقم المائدة التى سيتناول عشاءه عليها ، وكذلك رقم المقعد الذى سيجلس عليه ، وكان كل مدعو ينتهي تماما من الوجبة ” ويمسح الطبق بآخر لقمة ، ويأخذ الطبق بنفسه ويضعه في غسالة الأطباق الضخمة . 

4- قالت لي سعاد شقيقة الدكتور هشام : إن ما قمت به سيسعد أمي المريضة حينما ننقل إليها أن حفل زفاف هشام كان حفلا إسلاميا ، قام بإجراءاته أستاذ مسلم ، فكأننا في مصر لم نفارقها .                

 5- وزعت شقيقتا الدكتور هشام على المدعويين قطعا صغيرة تعد تقليدا لعملة شرقية قديمة في لون ذهبي ، فأخذها الأمريكيون وسعدوا بها وكأنهم عثروا على كنز مفتوح .

Print Friendly, PDF & Email
مقالات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

img
القائمة البريدية
img