img
يومياتي في أمريكا: بلاد الكلاب .. والخضرة .. والآيس كريم (37)
img
Print pagePDF pageEmail page

يومياتي في أمريكا:

بلاد الكلاب .. والخضرة .. والآيس كريم

(37)

الحلقة ( 37 )

في قلب كندا 

الاحد 29 من أغسطس  1982

نحن الان  في مدينة تورنتو ، نزلنا ضيوفا على الأخ محمود جمعة في الطابق الحادي والعشرين من ناطحة من ثلاثين طابقا . نمنا نوما عميقا واستيقظنا من نومنا متأخرين ، وجلست في الصالة الواسعة أكتب . والنظر من شرفة الشقة يكشف المدينة العظيمة النظيفة تورنتو ، تناولنا الإفطار في الثانية عشرة ظهرا ، ثم حضر للترحيب بنا بعض الإخوة الذين لم نرهم من قبل : رؤوف … فاروق … وأخ فلسطيني آخر . وفي الثانية مساء خرجنا إلى حديقة عامة ضخمة متنوعة النباتات والأشجار ، والتقطنا كثيرا من الصور .

ومما يشد النظر أن بعض العرائس بملابس الفرح يقفن بين الأزهار والأشجار مع أزواجهن لالتقاط الصور التذكارية . قضينا قرابة ساعتين في الحديقة الجميلة النظيفة ، وكان الجو معتدلا جميلا .

توجهنا بعد ذلك إلى ” المعرض الدولي ” … التذكرة بثلاثة دولارات ، والمعرض مكتظ بآلاف من الناس . وللحق لم أشهد معرضا مثله في حياتي : بضائع وآلات وأجهزة إليكترونية … وأثاث … وملابس … وصور و تماثيل … وتحف … ولعب أطفال … وسيارات . ولكن الأسعار ” والعة ” كما نقول في مصر ، إنها أعلى من الأسعار الأمريكية بكثير .

وهناك في الأرض الشاسعة  ــ داخل المعرض ــ  مسابقات من كل لون ونوع : سيارات رياضية مرفوعة إلى عل ، ومكتوب على كل منها لافتة ضخمة

Win Me  ) أي إكسبني . ويعني ذلك : اشترك في المسابقة المعلنة ، أو اليانصيب المعلن ، فقد تكون صاحب الحظ في تملك السيارة مجانا .

ومسابقة آخرى لم أر لها مثيلا من قبل : يدفع المشترك دولارين ، ويقف أمام الميزان ، ميزان كبير لوزن الأشخاص ، وينطق الميزان ــ أو بتعبير أدق ــ صاحب الميزان “إن وزن الشخص الواقف أمامي هو …. كيلوجرام ” . ، ثم يصعد الشخص إلى الميزان ، فإن كان الوزن مطابقا لتخمين الميزان خسر المبلغ ، وإن لم يتطابقا كان من حق المشترك أن يختار هدية من عشرات الهدايا المعروضة . والتاجر في الحالين هو الكاسب ؛ لأن أية هدية لا يزيد ثمنها على دولارين .

وتناولنا العشاء في مطعم داخل المعرض … المطعم مزدحم بالناس ، واللائي يقمن بالخدمة فتيات صغيرات لا تجاوز الواحدة منهن الثالثة عشرة من عمرها . والنظام في المطعم يسير بطريقة ( Serve Your Self )   ينتقي الشخص ما يريد ، وهو يمر في صف من الناس ، ومعه صينيته ويضع في أطباقه ما يري من الأصناف المتعددة المعروضه، ثم يدفع حسابه عند صراف ــ أو صرافة ـــ المطعم . وجاء نصيبي قطعة سمك مخلاة من العظم مقلية بطريقة ممتازة في هيئة سندوتش . وفاز محمد مختار بنصيب الأسد … أتي إلى المنضدة ومعه صينيته ، وفي أحد أطباقها ربع دجاجة ، كأنه نصف ، وتحت  ” الربع النصفي ”  قرابة ربع آخر … ما هذا يابني ؟ قال وأنا أمر بالرجل الأمريكي أو الأوربي سألته ربع دجاجة لم يدخل في طبخه أي لون من ألوان دهن الخنزير . فسألني ” أمسلم أنت ” ؟ قلت : نعم ، فسحب الطبق مني ووضع تحت الربع ربعا آخر لا يدخل  في الحساب . وأصررت على مشاركة محمد مختار ” ربعه الخفي ” حتى لا أتركه يحمل هذا ” الحرام ” بمفرده .

***********

أما أغرب ما شاهدناه في المعرض فهو ما يمكن أن نسميه ” السينما الموهمة”

التذكرة بدولار … السينما واسعة … والشاشة ضخمة جدا ومقعرة ، والفلم الذي استغرق ربع ساعة لا يحكي قصة معينة ، ولكنه مجموعة من الطيور تنطلق وتطير ، فيحس المشاهد أنه هو الذي يتحرك ويطير . ثم طيارة تنطلق وتطير ، فيحس المشاهد أيضا أنه أحد ركاب الطائرة . حتى إننا شعرنا بالفزع حينما كانت الطائرة تقترب من أحد الجبال إذ  اعتقدنا أنها ستصطدم به . طبعا كل ذلك خدع فنية ، إن صح هذا التعبير . وخرجنا بعد مشاهدة الفيلم ، ونحن مجمعون على أن ما شاهدناه يعد عملا عظيما.   

المعرض يسبح في نهار من الأضواء الكهربائية القوية ، وصعدنا كباري ونزلنا ، وتجولنا ، وملأنا عيوننا من الجمال الساحر ، والتقطت أذناي بعض الكلمات المصرية من بعض الواقفين  ، إنهم رجلان وامرأتان … ” مصريون ورب الكعبة ” !!! وربطت بيننا مصريتنا : حمدا لله على السلامة … وخذ يا نكت … وضحكنا من الأعماق  ضحكتنا المصرية الصادقة … هيييه …  والله زمان أيها الإخوة ، نعم من أمد طويل لم نضحك من أعماقنا . وبتنا ليلتنا في شقة الأخ محمود جمعة  .

الاحد 29 من أغسطس  1982

قطرات نفس

من كلمات  الإمام الشهيد حسن البنا

في عهد مضى أعاد الله علينا دولته قال الراوي: “دخلتُ القسطنطينية تاجرا في عهد عمر بن عبد العزيز، فأخذت أطوف في بعض سككها حتى انتهى بي المطاف إلى فناء واسع، رأيت فيه رجلا أعمى، يدير الرحى وهو يقرأ القرآن، فعجبت في نفسي، في القسطنطينية رجل أعمى يتكلم العربية، ويدير الرحى، ويقرأ القرآن!! إنه لنبأ!!، فدنوت منه وسلمت عليه بالعربية، فرد السلام، فقلت: من أنت يرحمك الله؟ ما نبؤك؟ فقال: أسير من المسلمين أسرني هذا الرومي، وعاد بي إلى بلده، ففقأ عيني، وجعلني هكذا أدير الرحى، حتى يأتي أمر الله. فسألته عن اسمه وبلده وقبيلته ونسبه، وما كان لي من عمل حين عدت قبل أن طرقت باب أمير المؤمنين، وأخبرته الخبر، فاحتقن وجهه، واحتدم غضبا، ودعا بدواة، وكتب إلى ملك الروم،

“قد بلغني من الآن كذا وكذا، وإنكم بذلك قد نقضتم ما بيننا وبينكم من عهد: أن تسلموا كل أسير من المسلمين. فوالله الذى لا إله إلا هو لئن لم ترسل إلي بهذا الأسير لأبعثن إليك بجنود يكون أولها عندك، وآخرها عندي.

ودعا برسول فسلمه الكتاب، وأمره ألا يضيع وقتا في غير ضرورة حتى يصل، ودخل الرسول على ملك الروم، وسلمه الكتاب، فاصفر وجهه، وأقسم أنه ما علم من أمر هذا الأسير شيئا. وقال: لا نكلف الرجل الصالح عناء الحرب، ولكننا نبعث إليه بأسيره معززا مكرما. وقد كان”.

وفي بيان بليغ آسر يربط الإمام الشهيد هذه الواقعة بنكبة فلسطين فيختم مقاله بالكلمات المتوهجة الآتية:

“أيها العرب والمسلمون، لم تعد المسألة مسألة أسير، ولا أسيرة، ولكنها أصبحت أكبر وأضخم، وأجل وأعظم، إنها قضية الحياة والشرف والكرامة والوجود لشعب بأسره، احتضنته الأمة العربية كلها، وتظاهرت على نصرته جهود العالم الإسلامي في أقطار الأرض، ثم هي قضية مستقبل الأرض المباركة والمسجد الأقصى، ثالث الحرمين وأولى القبلتين.

فاذكروا فظائع اليهود الوحشية في قرية دير ياسين، وقرية ناصر الدين، وقرية أبو زريق.. وقرية ساريس، ثم اذكروا حيفا إحدى عواصم فلسطين الثلاث، واذكروا ما بعدها إن ظللتم قاعدين، ثم انظروا ما أنتم فاعلون؟ ولا يكن حظكم من الانتصار لهذه المواطن الذبيحة أن تصيحوا “واعمراه.. وامعتصماه… ( جريدة الإخوان المسلمون اليومية : 23 / 4 / 1948 )

Print Friendly, PDF & Email
مقالات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

img
القائمة البريدية
img