img
يومياتي في أمريكا: بلاد الكلاب .. والخضرة .. والآيس كريم (16)
img
Print pagePDF pageEmail page

يومياتي في أمريكا:

بلاد الكلاب .. والخضرة .. والآيس كريم

(16)

المقامة الزبيبية ووقفة مع الذات 

 نحن الآن يوم الجمعة الأول من شهر يناير سنة 1982 ، وهذا يعني أنني قضيت في مدينة نيوهافن بالولايات المتحدة قرابة ربع عام .

      إنها بداية عام جديد وفيه أتم من عمري قرابة ثمانية وأربعين عاما . إنها بداية عام جديد تدخل فيه البشرية ، وهي مثقلة بأوزار القلق و التبدد والضياع .

   عام جديد يدخل فيه المسلمون ، منهم من يجاهد في بطولة وعزيمة وإصرار ، كما نري في سوريا وأفغانستان . ومنهم من يعيش مكلوما … مظلوما … مكتم الأنفاس ، كما نري في مصر ، وفي أغلب البلاد الإسلامية .

   عام جديد يدخل فيه العرب ، والقدس مازال يئن ولا مغيث ، واليهود يعربدون ماشاءت لهم العربدة ، وليس في العرب رجل واحد رشيد يقول ويعزم ، ثم يضرب ضربة العزة والكرامة ، في سبيل الله والمستضعفين .

   عام جديد تدخل فيه مصر بعد مصرع السادات ، وسيادة الظلم ، وإلقاء الأحرار في غيابات السجون . وأوقفت عصبة الشر نشاط الحق والخير ، ليكون للشر مجال … وأى مجال … !!!

   عام جديد أدخل فيه وأنا في أقصي الشمال الشرقي من أمريكا في مهمتي العلمية التي حاول التافهون الحاقدون تعطيلها ، ولكن الله نصرني عليهم .

   غريب أنا في أرض غريبة ، أعيش في مسكني مع وحدتي وعزلتي ، أقرأ ما وسعتني القرأة ، وأحاول استجماع أعصاب عقلي لحفظ ما أقرأ ولكني كثير النسيان ، وأدعو الله أن يخلصني من ضعف الذاكرة ــ وهو طارئ علي — ، وأن يمكنني ، من تحقيق أهدافي  .

يا رب : اسئلك العلم … و الصحة … وراحة البال .إنه الدعاء الذي يجري علي لساني دائما أبدا في مغتربي . لقد صدق الله سبحانه وتعالى حين قال ”  وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ”

                                                                        البقرة ( 186 )

.اللهم أنت القريب ، بل أنت أقرب إلينا من حبل الوريد ، استجب دعائي ، وحقق آمالي ، وكن لي علي من آذاني .انتصر لي ، وامنحني الطمأنينة والثقة بالنفس ، ولا تتخل عني طرفة عين . وبارك لي في أسرتي ، وأبنائي ، وبصرهم بأنفسهم ، وأرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلا ، وارزقنا اجتنابه ، إنك نعم المولي ونعم النصير …

                                        **********

 وفي خلوتي ،– مما جاد به قلمي علي ، ضمن ما كتبته في الشهور السابقة — ما أسميته

 

 

” المقامة الزبيبية ” . وهي مقامة طويلة كلها إسقاطات سياسية ، تخيلت فيها شخصيات تخضع للحساب في العالم الآخر مثل جمال عبد الناصر ، وجمال سالم ، وأنور السادات ، وشاه إيران . ولكن السادات فاز بالنصيب الأوفي من هذه المقامة . لذلك سميتها ” المقامة الزبيبية ” ؛ لأن السادات كان في جبهنه ” زبيبة واضحة ” . وأحاول أن أعيش مع القارئ في خطوط وقطوف من هذه المقامة :

وقد أهديتها إلي :  الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا, وعلى الحق أقاموا..

فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلاً

واستهللت المقامة بالسطور ألآتية :

حكى محروم بن مفروم قال: قال معضوض بن المخربش وما زالت كلماته في مخي تعض وتهبش

        في يوم وقفة العيد، الذي يأكل فيه الناس اللحم ويلبسون الجديد، قالت لي أم الأبناء، وقاها الله شر كل داء : اذهب يا معضوض، كفاك الله شر كل مكروه ومرفوض: اذهب إلى الجزار عبد العال، واشتر لنا منه كيلو من اللحم عال العال، وليكن في الكيلو قطعة من العكاوي، وحتة من بيت الكلاوي.

     وأمام الدكان، كان زحام الناس يسد المكان، وعبد العال يقول: يا صبر أيوب.. مرارتي والله قرَّبت تدوب.. يا ناس النظام النظام، فالنظام من شريعة الإسلام    .    فاسترحت حين سمعت كلمة الدين، وحمدت الله رب العالمين، وقلت في نفسي ما دام الرجل يعرف الدين والنظام، فهو بالتأكيد لا يعرف الحرام . ووزن لي عبد العال الكيلو بالتمام، وقلت: “صحيح راجل لا يعرف الحرام”، ووضع لي فوق الكيلو قطعة من الحلويات، وأعطيته ورقة ذات خمسة جنيهات، ليرد لي جنيهين على أسوأ الحالات.

     ووقفت أنتظر الباقي، وأسبح الله الحي الباقي.. فسمعته يقول لي: “وسع لغيرك المكان مع السلامة”  ويقول لصبيه: “هات الفخدة اللي عندك يا واد يا سلامة” فقلت له: ألا تبيع بالتسعيرة , أو بما هو قريب من التسعيرة ؟.. إن هذا لا يرضي الله تعالى وتبارك، في عهد الرخاء عهد حسني مبارك . فرأيت الشرر في عينيه يتطاير، والدم في عروقه يتصاعد ويتكاثر، وارتفع ساطوره في الهواء , وتذكرت أبنائي وأم الأبناء، فرسمت على فمي ابتسامة عريضة، وبشاشة مريضة، فالجبن في هذا الموقف واجب وفريضة وسمعت صراخه وهو يرفع الساطور: تسعيرة إيه، يا اسمك إيه؟ ابقوا اعرفوا قيمة الشيء قبل ما تأكلوه، وهو بكام قبل ما تطفحوه.

      وأخذت أنسحب وأنا أقول : “يا معلم أنا أهزل فيما أقول. هوّ حرام أن أداعبك بكلمتين، وأهزر مع ريس الحته وسيد المعلمين؟

     ومشيت إلى أم الأبناء وأنا أشعر أنني ولدت من جديد، يوم وقفة العيد، فقابَلَت اللحم بالأحضان.. وهي تقول: والله زمان. ووضعت اللحم في الإناء، ليقدم مع الفتِّ في الغداء.

وأنا أمني نفسي بوجبة شهية، وأكلة هنية.

ومرت ساعات واللحم جامد شديد، كأنه صخر أو حديد.

حتى نفدت أنبوبة البوتاجاز، فاستعنا بوابور الجاز. وانكمش اللحم في الإناء، وتحول الغداء إلى عشاء.

     وكان الجهد قد بلغ مني أقصاه، ومشى الإعياء في أوصالي إلى أبعد مداه. فاضطجعت على السرير وفي يدي كوب الشاي، أحبس به الأكلة الحديدية وأستعيد بعض قواي، فغفلت عيناي.

.. فرأيت في المنام، أعجب ما شاهدت في يقظة أو منام، وأغرب ما رأيت في سفر أو مقام..

     قال محروم بن مفروم فسألت في لهفة : ماذا رأيت في المنام يا معضوض.. كفاك الله شر كل حقود.. قال معضوض بن المخربش:

     رأيت كأنما دخلت جنة رضوان، حيث الجمال والسحر الفتان، والفاكهة صنوان وغير صنوان، تجري من تحتها الأنهار، وتغرد أطيارها فوق الأشجار، وفيها الكؤوس والقوارير، والديباج والحرير، ولا يشكو ساكنها من حر ولا زمهرير. فيها الأطعمة أشكال وألوان، فلا جائع ولا ظمآن، ولا حائر ولا هيمان.

وفيها الحور العين، على الشمال وعلى اليمين، وفيهاوجوه يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ . لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ . فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ . لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً . فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ . فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ .  وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ . وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ . وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ. ( الغاشية 8-16)

 

ويروي معضوض بن المخربش لمحروم بن مفروم  ما رآه في منامه مما تعرض له الظالمون من عذاب وحساب عسير . ومما قال :

وفجأة رأيت مخلوقًا طويل القامة، نحيل الهامة، كأن رأسه شمامة.. في وجهه ذلة وانكسار، شأن الكفار الفجار، من أهل النار، والزبانية يضربونه بعمد الحديد، فيهترئ جلده ثم يعود من جديد.. فقلت في نفسي ترى من هذا المهين الهائم ؟ فأتاني الجواب من أعماق الغيب إنه جمال سالم.. قلت نعم: هذا الوجه الكالحْ، والشخص الطالح، ليس عليَّ بالغريب، فقد رأيناه بالأمس القريب، ارتكب في كل يوم مأثمًا، وأقام في كل بيت مأتمًا. هذا هو قاتل الصفوة الأبرارْ، وشانق البررة الأطهار. فلم أملك نفسي من النداء:

    ذق يا شر من جنى وأساء، وهزأ بشريعة السماء، وسخر من سيد الأنبياء، ابتلاك الله في الدنيا بأخبث الأمراضْ ، وأقذر الأعراض. فعشتَ في الدنيا ممزقا وإن كنت فيها بلا ضمير، ولقيت في الآخرة شر المصير. وكنت شر عنوان لما يسمى بالثورة الميمونة، وما هي بالميمونة بل المجنونةْ. والنكسة الملعونة.

     فقال وعلى وجهه علامات الخبالْ، وأمارات خيبة الآمال آه لم تفهموني، لذلك لم تقدروني. مع أنني صاحب السبق والأولياتْ. فكنت السباق إلى ابتكارات، لم يسمع بمثلها المواطنون والمواطنات، بل المسلمون والمسلمات. أليس من الغريب أن أعذب في النار وفي عنقي حبل من مسدْ ، مع أنني مبتكر سبع أوليات لم يسبقني إليها أحد:

فأنا أول من شنق الإخوان المسلمين، الذين خلطوا السياسة بالدين، وأرادوا اغتيال رجال الثورة الميمونة، ومنهم شخصيتي المصونة، بل إن يوسف طلعت قال إنني كنتُ سأكون أول المفتولين، ورائد المصروعين.

    قال معضوض بن المخربش: نعم أيها القاتل السفاح. شنقت رجال التقوى والصلاح: شنقت عبد القادر عودة أعلم أهل الأرض بالتشريع، صاحب العقل العبقري والعلم الرفيع، رجل الشريعة والقانون، والإباء الذي لا يهون.

   شنقت محمد فرغلي العالم المجاهد، والتقي الراكع الساجد، تعرف فلسطين جولاتِهْ ، وتحفظ أرض القنال صولاته. كم أرعب اسمه الإنجليز المستعمرين، وهو يقود في القنال المجاهدين، فكان على المستعمر نارًا لا تخمد، وسعيرًا لا  يهمد. فرصدوا لرأسه آلاف الجنيهات، وقدمْـتَها أنت لهم مجانًا يا ربيبَ الخيانات.

   وشنقت يوسف طلعت جزار الإنجليز كما سمته الصحافة العالميةْ، وزغردت لمقتله أبواق الصهيونية، وأجراس الصليبيةْ، وتاريخه في الكفاح مشهودْ، وجهاده في القنال يعرفه الغيَّـبُ والشهود.

                                            **********

     قال معضوض بن المخربش: ولم تمض إلا لحظات حتى رأيت شخصًا نحيلاً، مضعوفًا هزيلاً، على وجهه صفرة الموت، ووراءه الزبانية يقولون لامناص ولا فوْت، وهو يصرخ في فزع مجنون، وقد استبد به الخبل والجنون “أمِّيَه. أُمِّيَه” قلت لحارس النار:  يا عجبًا !! أينادي أمه لتكون معه في النار، تُـشوى مثله بلهب الجمار؟ قال خازن النار: بل يشكو لهب أمه، فأمه هاوية، وما أدراك ما هيهْ ؟ نار حاميةْ.

     وتأملت المعذب الملعون، الذي يصيح في جنون، فرأيت الوجه وجه إنسان والجسم جسم شاه، وقد اهترأت عيناه، وتمزقت يداه، والسعير يشوي جيده وقفاه.

فسألت خازن النار:

 ومن هذا المنحوس، المعذب الموكوس ؟ قال الخازن: هذا شاه إيران، في قاع سقر كالسادات وديان. قتل في حياته مائة ألف موحد بالله، وأحل ما حرم الله، وداس على شرع الله.

     قال معضوض بن المخربش: قلت نعم: في عهده ضرب المسلمون في طهران بالطائرات، وأسقطت عليهم القنابل وشنت عليهم الغارات. وتعاون مع إسرائيل، وكان لها نعم الخليل . يتّـم الأطفال، ورمّـل النساء، وشرد الرجال. كم خرب من بيوتات، وكم هدم من معاقل وهتك من حرمات. ونسي آدميته، فنازع الله حاكميته. فلم يكن يطيق لا إله إلا الله، الذي تعنو له الجباه. فابتلاه الله بكل مرض عُضال، وعاش في العذاب السنين الطوال.

     وفي الدنيا ضاقت عليه الأرض بما رحُبت، وانغلقت عنه أرجاؤها بما وسَعَت ,

 فمن أمريكا إلى بنما طلبًا للأمان، ولكن الفزع كان يطارده في كل مكان. إلى أن صرعه الموت في مصْرْ، وستبصق عليه الأجيال في كل عصرْ.

   ومن عجب أن يقول من يُدْعى الرئيس المؤمن، وهو في الواقع المنكوس المدمن :

 “لقد استقبلت شاه إيران، في مصر بلد الأمن والأمان، وهو إنجاز أفخر به في كل زمان ومكان.

   قال محروم بن مفروم: فسألت معضوض بن المخربش: وما الإنجاز في استقبال خائن الخُـوّان، المدعو رضا بهلوي شاه إيران؟

   قال معضوض بن المخربش: معذرة فقد كثرت عندنا الإنجازات، في عهد المنكوس المدمن محمد أنور السادات، وهو لا شك بطل الإنجازات بالكلمات، ويا سلام، لو كان التقدم يا محروم بالكلام. لصرنا سادة الأنام؛ لأن رئيسنا كان أكثر المتكلمين، وأقل العاملين، والأجانب يسمونه  “Big Taker”، وأنا أسميه (الشاويش عوكل)، الذي كان يصيح بأعلى صوته ـ هيه .. مين هناك؟ فإذا رأى لصًا هرب خوفًا من الأذى والهلاك.

     قال معضوض بن المخربش: ثم قلت لخازن النار: لكني أرى الشاه، وجهه وجه بشر، والجسم جسم شاه، وهذا ما لم أره في المعذبين، الضائقين الهالكين.

قال خازن النار: هذا نوع من السخرية والنكال، بشاه إيران قاتل النساء والأطفال والرجال، فلقبه في الدنيا الشاه، وقد عاش في حمق الشاه، والشاةُ هي أحمق الحيوانات، تمشي في الطريق مئات المرات. ومع ذلك تنفصل عن القطيع، وتجهله فتضيع. وفي النار يجتمع الشكل إلى الشكل والشبيه إلى الشبيه، وهذه مشيئة من ليس له مثيل ولا شبيه. فيلقى كل معذب خزيه وعاره، وقد حق عليهم قوله تعالى: (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) البقرة 24 . فقرن الكافرين في النار بالحجارة الصم. لأنهم عن الحق عمُ بكمٌ صُم.

قال معضوض بن المخربش: ثم رأيت قطعًا فضية، وجنيهات ذهبية، ملتهبة نارية, تقفز وتلتصق بوجه الشاه، وجلده وقفاه، وهو يصيح بأعلى صوته أوّاه، ولا مغيث له من عذاب الله.

   فسألت الخازن وما هذه الأموال؟ التي أراها في النار تلال؟ قال الخازن : إنها أموال الشاة اللِّص، فكم سرق في دنياه وكم لَصّ.

امتصها من نخاع الشعب الإيراني ودماه، فلم تنقذه من مرض في دنياه، ولم تخلصه في الآخرة من عذاب الله. وشاءت إرادة الواحد الديان، أن يحشره في النار مع مائير وديان. وأصبح ما كنزه في الدنيا لنفسه، سببًا لعذابه في الآخرة وبؤسه. وتحولت الأموال إلى مكاوي من نار، يكون في جهنم وبئس القرار.

       وكذلك التقي معضوض بن المخربش بأنور السادات الذي استغرق الحديث معه أكثر من نصف المقامة .

                                **********

         والمقامة مطعمة بنثر فني وشعر فيه حرارة الوجدان في الشخصيات التي قامت بقتل السادات . ونقدم  بعضها بأسلوب المناجاة فيما يأتي :

بنفسي.. بنفسي أفديكم.. وبنياط قلبي أبكيكم، يوم سالت نفوسكم على حبال المشانق، واستقبلتكم الحور العين تهنِّئ وتعانق،

وتعطرت بذكركم المغارب والمشارق.

بنفسي أيها الخمسة أفديكم

بلسان الحق أناديكم

وبنور العين أناجيكم

وأغنيكم

أنشودةَ فخرٍ في الأجيال

يا خالد

يا اسلامبولي

يا وارث أمجاد محمدْ

اسمك عطرٌ ومخلدْ

ذكرك أحمد

ما شهِدتْ عيناي كمثلك حين عزمْتْ

وحين هممت

وحين نزلْـتْ

وحين وثبت

وحين هجمت

وحين ضربْـتْ

وكأن أسُودَ الكون جميعًا قد صارت

أسدًا واحدْ

يُدْعي خالد

قد كان المدفع بين يديك جحيمًا يتسعرْ

جمرًا أحمرْ

وانطلق المدفع يزأر

يَـدْوي ويكبر

ينتقم ويثأر

ينتقم لعودةَ والطيِّـبْ

وليوسفَ طلعتْ

ولشكري

وليحيى هاشم

ولسيد قطب

ولهواش

والأناضولي

والإخوان

يـنتقمُ

لضحايا الثورة ينتقمُ

للإنسان

للمظلومين

للمطحونين

للمسحوقين بمصرٍ في كل مكانْ

للشعب المخدوع العاني

خدعته عصابة موتور أغبرْ

يدْعَى أنورْ

وعلى الأعناق التفت كل حبال الغدرْ

وإلى وجهك أطلق يا إسلامبولي رصاصُ الغدرْ

يا خالد.

روحي تفديك وتفدي هذا الوجْهْ

قل لي يا ولدي

كم جادت فيه العينان بفيض الدمع

من خوف الله

في جوف الليل ؟

قل لي يا ولدي : كم سجدت منه الجبهة لله؟

ولسانك يا ولدي : كم رتل من ذكر الله؟

يالله…!!!

هذا الوجه الرباني يمزق بالطلقات؟

ثأرًا لعميلٍ يُـدْعي بالسادات؟

معذرة يا خالدُ حين قرنتك بالسادات

فلَمثـلُك خير من مليون كالساداتْ

معذرة.. فالشاعر أحيانًا تحكمه الكلماتْ

كالآهاتِ.. وكالأناتْ

أنا حين قرنتك لا أعني التفضيلْ

ولقد قيلْ:

ألمْ ترَ أن السيفَ ينْـقصُ قدْرهُ =  إذا قيل إن السيف أمضى من العصا ؟

ولأنت النجم الثاقبُ وهْـو الظلمة والتضليلْ

ولأنت الرعد القاصفُ وهو الخدعة والتدجيل

ولأنت الحر المنقذ وهو عميل خلَفَ عميلْ

يا خالدُ… يا اسلامبولي..

معذرة حين قرنتك بالسادات

فالشاعر  أحيانًا تغلبه الكلمات

كالآهات الدامية الحرَّى كالأناتْ

       ومالت الأعناق على الصدور، وشُربت الأنخاب، ودارت الرءوس بنشوة خمر فاجرة , وعاد شارون إلى إسرائيل يزف البشرى.. ورقصت دولة الدعارة التي تدعى إسرائيل , وشعر الحكام الذين هربوا تحت الكراسي يوم المنصة بنشوة النصر.. وبأمر الحاكم دفن الخمسة في قبر مجهول.

يا خالد يا اسلامبولي.. يا أنشودة فخر

يا مطلع فجر.

دفنوكم في قبر مجهول

حتى لا يصبح هذا القبر مزارْ

يا ويلهمو !!!

والأُم الثكْلى

أمك يا خالدْ

ماذا تفعل حين تريد زيارة قبر الابن المظلوم؟

والأب الشيخ؟!

ماذا يفعل حين يريد قراءة فاتحة القرآن

لروح الابن

أو يروي القبر

بدمع يطفئ بعض لهيب القلْبْ

هل يقرأها في الصحراءْ ؟

أم يتلوها فوق الماء؟

أم يصعد كل جبال الكونِ

ليقرأ فاتحة القرآنْ ؟

أم يحفر كل تراب الأرضْ

بحثًا عن جسد مدفون

في قبر مجهول؟

قولوا

قولوا يا جلادي مصرْ

قولوا يا سفاحي العصرْ؟

ماذا تفعل أم أكلتْها الأيامْ ؟

ماذا يفعل هذا الأب

يا ولدي

ما بقيت منه غير عظامْ ؟

يا خالد يا اسلامبولي

يا أنشودة فخرْ

يا مطلع فجر

دفنوكم في قبرٍ مجهولْ

حتى لا يصبح هذا القبر مزارْ

يا ويلهمو

يا ويل الجاهلِ

أعني من حاكمكم

أو أعدمكم

أو من يرأس من حاكمكم

أو أعدمكم.

إن الحق كشمس تسطعْ

دومًا تسطع

لا تنطفئ بألف قرارْ

قد يأتي غيم يحجبها

وإلى حين قد يحجبها

لكن الشمس تمزقهُ

وتبددهُ

دفنوكم في قبر مجهول

حتى لا يصبح هذا القبر مزار

ما أجهلهم !!

ما أجبنهم !!

يخشون رؤاكم

أو ذكراكم

حتى في القبر المجهولْ

لكن هل حقًا أنتم في قبر مجهول؟

لا.

فالقلب يقول:

أنتم في عُـمْق الشفق الأحمرْ

أنتم في قلب القمر الأخضر

أنتم في هذا النجم الأزهرْ

أنتم في روح الفجر النادي بالآذانْ

بالقرآن

بالرحمنِ وبالكوثرْ .

دفنوكم في قبر مجهول

حتى لا يصبح هذا القبر مزار؟

لا.

بل أنتم في قبر معلوم..

لا ـ أستغفر ربي ـ

لستم في قبر واحدْ

بل في مليون

بل مليونين

بل دفنوكم في أعماق قلوب تحصى بالملايين

في أعمق أعماق المسلم أنَّى كانْ

في كل نواحي الأرض

لخالد قبر

ولعباسٍ قبر

ولطايل قبرْ

قد صرتم ذكرى يا خالدْ

يحكيها الطارف والتالدْ

أسطورة سحر تتجددْ

لا تتبددْ .

واسمع يا خالدُ.. يا ولدي

لا تفزع

لا تحزن

لا تبخع نفسَكَ

لا تأسف

فالحشد القرآني سيزحفْ

بشعارٍ سيفين ومصحف

والبغي على يده يَـنسف

خيلهمُ اقتربت يا خالد

في أذني وقع سنابكِها

في قلبي قصْف صواعقها

قل جاء الحق وزهق الباطل

إن الباطل كان زهوقا.

                                     **********

ونكتفي بهذه القطوف ، التي أتمني أن تبين عن الطبيعة الموضوعية والفنية لهذه المقامة .

وأنبه القارئ إلي أنني سجلتها بصوتي ، محاولا تقليد أصوات شخصيات المقامة ، بأداء صوتي معبر . واحتفظت بهذا التسجيل لنفسي ، ولم أنشره على مستوي الشباب المسلم في أمريكا ، كما لم أنشره في مصر أو غيرها ، حتي لا يفهم من ذلك أنني قصدت من ذلك التشهير بالأموات .

مع ملاحظة أن هذه المقامة بعض من إنتاجي الكتابي في مغتربي الأمريكي .

————————

 1 من يناير  1982 


Print Friendly, PDF & Email
مقالات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

img
القائمة البريدية
img