img
يومياتي في أمريكا: بلاد الكلاب .. والخضرة .. والآيس كريم (13)
img
Print pagePDF pageEmail page

يومياتي في أمريكا:

بلاد الكلاب .. والخضرة .. والآيس كريم

(13)

إنه يومُ الخراف !!!

الأخ إبراهيم المعتاز السعودي الجنسية يعتبر من أنشط الشباب المسلم في الولايات المتحدة , و قد جاء من السعودية للحصول على الدكتوراه من جامعة يل , و هو عالم , خطيب , محدث لبق , خفيف الحركة , مبارك الغدوات و الروحات , خدوم لإخوانه بصدقية وأمانة , بل إن فعل الخير , و شعوره بأنه أدى جزءا من رسالته الإسلامية يسعده بصفة دائمة , ويتسم بالتواضع , و الحياء .

و يشاركه فى هذة الصفات الأخ الكويتي : بدر القصار , و إن كان أكثر هدوءا , ووجهه يذكرني دائما بوجه الإمام الشهيد حسن البنا فى شبابه .

 و يعتبر الأخوان إبراهيم السعودي , و بدر الكويتي من العمد الأساسية في تنظيم الشباب المسلم , و الإشراف على مجريات أموره .

 **********

 وبالأمس اتصل بى هاتفيا الأخ إبراهيم المعتاز ليؤكد ميعاد اللقاء ” مع الخرفان ” , واستقبلت الخبر في شوق شديد و سعادة , وانا على أحر من الجمر فى انتظار هذا اللقاء …. واشوقاه … واشوقاه … إلى خروف يأخذ مكانه فى ” الفرن ” ثم يأخذ مساره الميمون إلى البطون .

 وفي صباح اليوم التالي حضر الأخ إبراهيم مع مجموعة من الإخوة من جنسيات عربية مختلفة , وانطلقنا بسيارتين إلى ضاحية ” الأورانج ” …… الأشجار في طريقنـا نفضت عنها أوراقها تماما , فصارت متجردة بلا حياء , تحتشد في غابات شاسعة على جانبي الطريق , إنه منظر رائع , ما كنت أحلم بمرآه , و انطلقنا إلى الجزار الموعود .

إنها واقعة قد يعتبرها بعض القراء واقعة عابرة لا تشد النظر, ولا تستحق أن نتوقف عندها, ولكني أرى عكس ذلك, وأرى من الفائدة أن نقف أمامها لنعتصر ما فيها من دلالة أو دلالات, فالمسلم مطالب بالنظر والاعتبار, والاتعاظ والانتفاع بما يرى ” إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا “(36) الإسراء . وقيمة الواقعة – أية واقعة – لا تقاس بحجم الواقعة, وتوهجها, والمساحة الزمانية والمكانية التي تشغلها, ولكن تقاس بقدر ما تعكس من دروس وعبر, وما تقود إليه من فوائد مادية ومعنوية تنفع الإنسان في دنياه وفي أخراه.

ومعذرة – يا قارئي العزيز, لقد أغراني قلمي – سامحه اللّه – بهذا الاستطراد, فتعال معي كي نستعيد صورة هذه الواقعة في إيجاز شديد.

 ************

 في سنة 1981م كنت أقيم بمدينة “نيوهافن” بولاية “كنكتكت” بالولايات المتحدة لأداء مهمة علمية في جامعة (يل yale). وكنا – نحن العرب والمسلمين – لا نطمئن لشراء اللحوم المثلجة, مع أن ذبيحة الكتابي يحل أكلها شرعاً, ولكن بعض الإخوة قال “من يدري? ربما تم الذبح علي يد ملحد, أو كافر جاحد”.

 قال أخ خبير: “في ضاحية “الأورنج” – وهي لا تبعد عن “نيوهافن” أكثر من سبعة أميال – مجزر كبير ألحقت به حظيرة واسعة تضم من العجول والخراف الكثير والكثير , ومن الممكن أن نشتري منها ما نريد, ونذبح بأيدينا, ويقوم عمال المجزر بالسلخ والتنظيف والتقطيع”.

 واسترحنا لهذا الحـل الذي سيدفع عنا الحـرج, وذهبنا إلي المجزر في يــوم اتفقنا عليه .

 وقصدنا المجزر, كان صاحبه ممتلئ الجسم , أحمر الوجه , منتفخ العينيين , و قد شغل عنا مؤقتا بتقطيع فخذ ضخمة لعجل كبير . ووقفنا نشهد طريقته السريعة في التقطيع بالمنشار الكهربي , و بعد أن انتهي من التقطيع صحبنا الي الحظيرة التي يربي فيها بهائمه من عجول وخراف , كنا قرابه ثمانية من جنسيات عربية مختلفة , و كنت انا المصري الوحيد بينهم . وقام الأخ إبراهيم المعتاز بذبح الخراف التي اشتريناها، وبدأ العمال يقومون بالباقي, وحل ميعاد العصر, فتوضأنا من ماء المجزر, وعلى الأرض الخضراء الممتدة أمام المجزر شرع أحد الإخوة يرفع صوته الجميل بالأذان, وكانت درجة الحرارة 6 تحت الصفر. وفوجئنا بصاحب المجزر وعماله يتركون عملهم, ويقفون في صمت تام, وعيونهم معلقة بنا, ونحن نؤدي صلاة الجماعة في طمأنينة وخشوع, وكأن دفء الإيمان قد دب في أوصالنا, فلم نشعر للبرد القاتل – أمام المجزر – بلسعة أو لمسة.

 ولكن الأعجب من ذلك أن صاحب المجزر وعماله ظلوا واقفين, وكأن أرجلهم قد سمّرت في الأرض, حتي بعد أن سلمنا وانتهت الصلاة, وكأنهم يريدون مزيداً من هذه الحركات والسكنات الخاشعة في قيام وركوع وسجود. وسمعت صاحب المجزر يردد بينه وبين نفسه “fine – fine” (جميل. جميل). وأخذني العجب إذ رأيت عينيه تبرق فيهما عبرتان, وهو يهز رأسه في بطء وهدوء.

 **********

وغادرنا المجزر, ونحن نحمل ما اشترينا من لحم, وكان حديثنا في عودتنا عن هؤلاء الذين أُخذوا بمنظر الصلاة. قال أحد الإخوة: “لقد شعرت كأن قلوبهم قد تفتحت لقبول الإسلام”. وقال آخر: “لو شاهدوا الصلوات الجهرية لأسلموا”. أما أنا فلم أتكلم, فقد كانت نفسي – بكل حواسها – ممتلئة بكلمات الرجل “fine – fine“. وقادتني كلمات الرجل إلي تذكر حقائق ثلاث غابت عن أذهان كثيرين:

الحقيقة الأولي: اعتقادنا الخاطئ أن الآخرين من غير المسلمين – في أوروبا وأمريكا بصفة خاصة – يعرفون جوهر الإسلام وقواعده, ويعرفون واقع قضايانا, ولكنهم يغالطون , ويسلكون سبيل الشيطان والباطل تعصباً وتعامياً، مع أنهم – في الواقع – يجهلون حقائق ديننا وقضايانا.

والحقيقة الثانية أن المسلمين – علي المستوى العالمي – فقراء في الدعاة. وقد قرأت إحصائية مفزعة مؤداها: أن عدد الدعاة المسلمين العالميين لا يزيد علي ثلاثة آلاف داعية, في مقابل ربع مليون مبشر مسيحي, يتقن كل منهم عدداً من اللغات, وكذلك عدداً من المهارات، في الطب البشري, والطب البيطري, وأمور الزراعة والبناء والهندسة, وتحت أيديهم إمكانات مادية هائلة, وقد انتشروا في كل أنحاء العالم, وخصوصًا أحراش آسيا, ومجاهل أفريقيا. وهم يجدون – بإمكاناتهم المادية الهائلة – مرعاهم الخصيب في أوساط الفقراء من الوثنيين والمسلمين.

والحقيقة الثالثة والأخيرة خلاصتها: أن أغلب دعاتنا المحليين لا يصلحــون لنشـر الدعوة علي مستوى العالم, لافتقارهم للغات الأجنبية من ناحية, وللثقافات العصرية من ناحية أخرى, وتداركًا لذلك أرى أن تأخذ الحكومات والشعوب الإسلامية هذه المسألة مأخذ الجد والاهتمام, وتتكاتف لإنشاء “أكاديمية الدعوة الإسلامية العالمية” لتخريج دعاة متخصصين لمثل هذه الدعوة، متدرعين برصيد ضخم من الفقه, وكذلك الثقافات العصرية, زيادة علي تعلم لغة المنطقة التي سيقوم الداعية بالدعوة فيها, وبذلك ينتشر الإسلام, ويرتفع صوت الأذان في كل مكان, وتكون كلمة اللّه هي العليا, وكلمة الذين كفروا السفلي.

**********

 ويؤكد ما ذكرته آنفا من حقائق و دروس قصة أخرى تتـلخص في أننى رأيـت “سارة” مدرسة اللغة الإنجليزية وهى تحمل طفلها الرضيع فأخذ ت أداعبه , ورفعت كفه الصغيرة و قبلتها , فأخذها العجب , وربما لاستنكار لما قمت به . و قالت :

ـ ما هذا يا فلان ؟!

 ـ هذه سنة ” عمرية ” , إذ كان عمر بن الخطاب يقبل أيدي الأطفال ويخاطبهم قائلا : اسغفروا لي ربكم ؛ فإنكم أطهار , لم تدنسكم الذنوب .

( فقالت صارخة ) : عمر القاتل …. القاتل … ؟!

ـ عمر الخليفة الثاني لم يقتل أ حدا , فقد كان مثالا للعدل , حتى إنه ـ كما ذكر عدول الكتاب الغربيين ـ حقق من قواعد الحكم العادل , والاسقرار العالمي مالم تحققه الإمبراطورية الرومانية الشرقية في الف عام .

وأخذت أتحدث للمدرسة سارة عن عمر , ومظاهر عدله , وإيثاره , وتقشفه , وحبه للناس , والأطفال حتى دمعت عيناها .

و في اليوم التالى جاءتني وقالت : ياليتك تكمل لي حديثك الذي بدأته بالأمس عن” الخليفة عمر “.

وما قالته سارة له – للأسف – وجود فى مراجع عربية مشهورة , مثل ما يروى عنه من أنه : وأد بنتا له في الجاهلية , وأنه قتل أسقفا نصرانيا . وقد حققتُ هذه الروايات بنفسي , وتحققت من أنها مكذوبة .

 و هذا يؤكد ما ذكرته آنفا , من أننا في حاجة إلي دعاة واعين علماء , دارسين لطبائع الشعوب

 ومكان الإسلام فيها .

**********

 قطرات نفس

في ضميري دائما صوت النبي          آمرا جاهــد  وكابد  واتعـبِ

صائحا:  غالبْ  وطالب  وادأبِ          صارخا: كن ابــدا حــرا أبِي

كن  سواء ما اختفى وما  علن          كن قويا بالضمير والبــــدن

كن  عزيزا   بالعشير  والوطنْ          كن  عظيما في الشعوب والزمنْ 

Print Friendly, PDF & Email
مقالات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

img
القائمة البريدية
img