img
الدكتور جابر قميحة معلما وموجها
img
Print pagePDF pageEmail page

كلمة موجزة بمناسبة حفل تكريمه

مساء الثلاثاء 13 / 4 / 2010

الدكتور جابر قميحة معلما وموجها

يقف الإنسان حائرا إذا أراد أن يكتب عن الدكتور جابر قميحة ، وذلك لتعدد جوانب القدرة ، بل العبقرية فيه ، فهو ذو عقلية موسوعية استوعبت ــ في دقة متناهية ــ الأدب والنقد والشعر والتاريخ والفقه والقانون … الخ . وكأنه ذو تخصص فذ مفرد ، وقف حياته كلها لعلم واحد من هذه العلوم . فهو إذن في طروحاته المتنوعة ينهل من منابع غنية لا تنفد .

وكان دائما يوصينا بالقراءة ، ومن طرائفه أنه كان يقول ” أنصح الشباب بثلاث نصائح : الأولى : اقرأ ، والثانية : اقرأ ، أما الثالثة فهي : اقرأ ” .

وحتى يرقى الإنسان في مجال القراءة والنطق فعليه بالقرآن ، ولأضرب مثلا بسورة قصيرة هي سورة التكاثربِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8).

ففي آيات هذه السورة القصيرة تنويعات لغوية ، وتنويعات صوتية ، تـُعود القاريء على الاقتداء المثمر في الأداء والتعبير عن الأصوات المركبة .

كما أن حفظ النصوص التراثية يزيد من الرصيد اللغوي للمعلم ، بحيث يجعله قديرا على الاستشهاد من هذه النصوص . ومعروف أن العرب أصحاب بلاغة ، وقدرات لغوية لا تحد .

وعلى المعلم أن يعتز بلغة القرآن اعتزازا صادقا ، لأن الخطأ في اللغة لا يعد مجرد خطأ لغوي فحسب ، ولكنه كذلك تشويه للقيم التى تطرحها هذه اللغة .

ومن الأخبار التاريخية أن أحد البدو نزل إلى البصرة فوجد الناس يلحنون ( أي يخطئون في ضبط الكلمات رفعا ونصبا وجرا ) ، فصرخ غاضبا ” يالله كيف يلحنون ويُرزقون ؟؟!!! ” .
ومن كلمات الدكتور جابر : إن الجندي لا يستطيع أن ينزل ميدان القتال بلا سلاح . وكذلك المعلم لا يستطيع أن يقف موقف العطاء وهو لا يملك رصيدا كبيرا من اللغة والعلم .

ومع ذلك نرى في حياتنا بعض المدرسين يحاولون أن يقوموا بعملية التدريس ورصيدهم من الفكر واللغة والدين لا يعد شيئا . وهناك واقعة مشهورة في هذا المجال ، وخلاصتها أن إحدى المدرسات كانت تشرح سورة ” الشرح “

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)

فطلبت من التلميذات أن يقمن بشطب الأية ” إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) ” لأنها جاءت مقررة بلا لزوم .

**********

وعرف الدكتور جابر بأنه مع الحق دائما مهما سبب له ذلك من المتاعب الرسمية وغير الرسمية ، ومازلنا نذكر أنه شطب من جدول إحدى مدارس البنات اسم مدرس كان مصرا على أن يحضر إلى المدرسة ، ( بالبنطلون الجينز الضيق جدا ، والذي يفصِّـل كل أجزائه الداخلية ) وكلف الناظرة بأن تأمر بواب المدرسة بألا يسمح لهذا المدرس بالدخول ، ونفذ ما طلبه الدكتور جابر ، مع أن القانون لا يعطي هذا الحق إلا للموجه الأول ، ثم لوكيل وزارة التربية والتعليم بالجيزة ، ووافق الرجلان على ما قام به الدكتور جابر فورا وقدرا شجاعته ، وحسمه للأمور.

وكان الدكتور جابر يوصينا دائما بأن ننهل من تراثنا العربي القديم في النماذج التى نعرضها في النحو ، والخطابة ، حتى نطوع ألسنتنا على هذا البيان الغني الذي لا ينفد ، ولكن علينا أن نحسن اختيار النموذج المطلوب .

**********

ومعروف عن الدكتور جابر صفتان بارزتان هما : العدل ، والهيبة : فهو لا يجامل مدرسة أو مدرسا أو موظفا إداريا على حساب العمل ، ولا تأثير لصداقة أو معرفة شخصية في هز هذه الخليقة عنده . وأنا أعرف مدرسين حصلوا على تقدير ممتاز في غير عهد الدكتور جابر ، فلما رآهم على الطبيعة لم يمنح الواحد منهم أكثر من تقدير ” جيد ” .

وخليقته الثانية التى اشتهر بها أنه كان مهيبا له مكانته في قلوب الآخرين بصرف النظر عن حبهم أو كراهيتهم . ومما يدل على ذلك أن أحد المدرسين الأوائل ـــ في مدرسة من مدارس شارع الهرم ــ حبس نفسه في دورة المياة لمدة أربع ساعات ، خوفا من الدكتور جابر ؛ لأن هذا المدرس الأول لم يكن قد أعد دروسه وما تقتضيه وظيفته كمدرس أول ، ولا يمكن أن يحقق الموجه ، بل أي مسئول هذه المكانة إلا إذا كان عادلا جادا في عمله .

وتعلمت من الدكتور جابر كلمات أعتبرها جزءا من دستور حياتي ، منها :

ـــ لا تخلط بين الضعة والتواضع : فالضعة هي الهبوط والسقوط ، أما التواضع فهي عدم التكبر . ولا تخلط بين الغرور والاعتزاز بالنفس ، فالغرور رذيلة تعني التكبر على الآخرين ، والاعتزاز بالنفس يعني الثقة بها وبقدراتها .

لذلك أقول موجها : اعتز بنفسك دون غرور ، وتواضع دون ضعة .

ـــ ليكن لك في حياتك منهج واضح ، تأخذ نفسك به ، وتحاول أن تجعل له مكانه في منشطك ومكرهِك ، وسرَّائك وضرَّائك . وهذا المنهج يجب أن يكون مدعما بالإيمان بالله ، والثقة بالنفس ، دون الاهتمام بآراء الآخرين ، وخصوصا إذا كانوا من طبقة الحقدة والهدامين .

**********

هذا قليل مما أفدته من معايشة الدكتور جابر أثناء عمله موجها ، وأنا تحت رعايته ، ومفيدة من توجيهاته لسنوات طويلة .

أدعو الله أن يمد في عمره ، ويديم النفع به . والحمد لله رب العالمين .

موجز سيرتي الذاتية : ــ

1-تخرجت في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة سنة التخرج 1977م .

2-عينت مدرسة في مدرسة ليسيه الحرية بالهرم في سنة تخرجها ( من سنة 1977 إلى 1980 ) .

3-ثم عملت مدرسة في مدرسة جيهان السادات الإعدادية بالهرم لمدة عام واحد .

4-وبعد ذلك عملت مدرسة في المرحلة الإعدادية بمدرسة جمال عبد الناصر بالجيزة ، ثم رقيت للتدريس بالمرحلة الثانوية في المدرسة ذاتها لمدة سنة واحدة .

5-انتقلت إلى التدريس بالمدرسة القومية بالعجوزة لمدة 8 سنوات . وكان لها نشاط ملحوظ في هذه المدرسة من أظهره إخراج مجلة مطبوعة على مستوى رفيع .

6-ولها ديوان شعر مخطوط ، وشعرها يتميز بالرقة والرومانسية والعاطفة المتدفقة.

Print Friendly, PDF & Email
قالوا عن د. جابر قميحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

img
القائمة البريدية
img