img
الأديب الدكتور جابر قميحة
img
Print pagePDF pageEmail page

الأديب الدكتور جابر قميحة

(1934-2012م)

محمد عباس عرابي

أستاذنا الأديب الدكتور جابر قميحة(1934-2012م) علم من أعلام الدعوة، وكوكب في سماء الأدب والنقد، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، جزاء ما قدم للعربية وأدبها. سيرة يُعطرها صدق الرأي، وسداد الفكر، وإخلاص العمل.. أكبر إنجازاته كونه إنسانًا يفيض قوة في الصوت والرأي، ويفيض رقة مع جراح الأمة. لقد كان جابر قميحة مدرسة، وجامعة، ومفيض علم لا ينضب. عاش حياته خادمًا للعلم، فتعلم وعلم، فكان من خيرة البشر، عاش حياته راهبًا للعلم، زاهدًا في الدنيا، يلتف حوله المريدون من جميع أنحاء العالم كالسراج المنير الذي تهيم نحوه الفراشات، تسعد بلقائه، وتستزيد من علمه الغزير.

والدكتور جابر قميحة الكاتب الناقد، والأديب الشاعر، والداعية المجاهد.. واحد من العظام الذين يستحقون الاهتمام والتقديم والكتابة عنه لما له من جهود ملموسة، وجهاد متواصل، وقد تعوّد الناس ألا يكتبوا عن العالم إلا بعد وفاته، والحمد لله الذي وفق مركز الإعلام العربي لتكريمه قبل موته ضمن سلسلة (رموز في دائرة الضوء)، وصدر في مجلد كبير.

فمن هو الدكتور جابر قميحة؟

ولد جابر متولي قميحة في مدينة المنزلة بأقصى شمال الدلتا عام 1934م، ودخل الكُتّاب ثم المدرسة الإلزامية، ثم المدرسة الابتدائية (ومدتها أربع سنوات)، ثم التحق بالثانوية (وكانت خمس سنوات)، وكان التخصص يتم من الصف الخامس، وكان تخصصه هو الشعبة الأدبية، فحاز ترتيب الأول على المدرسة، وقد نما حبّه للأدب واللغة العربية منذ سن مبكرة، ثم التحق في عام 1953م بكلية دار العلوم بدافع حبّ اللغة، ليتخرج فيها عام 1957م.

كان منذ الصغر محباً للقراءة، حفاظة للشعر والنثر، حتى قال عنه الأستاذ الدكتور عمر الدسوقي أستاذ الأدب بدار العلوم: “التحق بدار العلوم طالب اسمه جابر قميحة يحفظ حمل بعير من الشعر، ومثله من النثر”.

وكان كلما صعب عليه كتاب تصدى له من منطلق التحدي حتى يستوعب ما فيه، وكان يحكم على نفسه من خلال ما يقرأ وما يستوعب.

وبعد تخرجه في الجامعة عين مدرساً بالتربية والتعليم، ثم موجها، والتحق بكلية الحقوق، وحصل على ليسانس الحقوق عام 1965م، ثم على الدراسات العليا (ماجستير) في الشريعة الإسلامية بكلية حقوق القاهرة عام 1967م، وهمَّ أن يعمل دكتوراه بعنوان (نظرية التعسف في استعمال الحق بين الشريعة والقانون) فلم يعمل، فقد استهواه الأدب، وخاصة الشعر.

أعير أديبنا إلى الكويت، وحصل من جامعة الكويت على ماجستير في الأدب عام 1974م بعنوان (الفن القصصي في شعر خليل مطران)، ثم حصل من كلية دار العلوم على الدكتوراه عام 1979م، كانت بعنوان (منهج العقاد في التراجم الإسلامية)

وقد درّس الأستاذ الدكتور جابر قميحة في كلية الألسن بجامعة عين شمس، ثم أرسلته الحكومة المصرية للتدريس في جامعة (يل) بالولايات المتحدة الأمريكية، وبالجامعة الإسلامية بباكستان، وجامعة الملك فهد بالمملكة العربية السعودية.

عاد بعد ذلك إلى مصر ليتفرغ للقراءة والكتابة بعيدا عن السلك الجامعي، ويعتز الدكتور قميحة بتاريخه وخط سير حياته حتى قال: “لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما غيرت مسيرة حياتي”.

تقلد د.جابر قميحة العديد من المناصب والوظائف داخل مصر وخارجها، فعمل مدرساً وموجهاً للغة العربية، وعين مدرساً للأدب العربي الحديث بكلية الألسن بجامعة عين شمس بالقاهرة، ثم أستاذاً مساعداً بها، ثم أستاذاً مشاركاً بجامعة الملك فهد بالظهران بالمملكة العربية السعودية.

والدكتور جابر قميحة، كان أستاذا للأدب، وبهذه الصفة عمل في جامعات أمريكية وباكستانية وسعودية أستاذًا للأدب العربي ومرجعًا له، وشاعرًا نظم المئات من القصائد التي تناولت قضايا الإنسان العربي والمسلمين في هذا الزمن.

ومؤلفاته تصل إلى خمسين كتابًا في الدراسات الأدبية والنقدية والشعرية والتاريخية. ولقد تنوع إنتاجه ما بين الشعر، والمسرح، والنقد، والدراسات الدينية والاجتماعية له الكثير من المؤلفات والكتب في المجال الأدبي على اختلاف ألوانه، فمن مؤلفاته منهج العقاد في التراجم الأدبية- أدب الخلفاء الراشدين- التقليدية والدرامية في مقامات الحريري- أدب الرسائل في صدر الإسلام- الشاعر الفلسطيني الشهيد عبد الرحيم محمود- التراث الإنساني في شعر أمل دنقل- صوت الإسلام في شعر حافظ إبراهيم- الأدب الحديث بين عدالة الموضوعية وجناية التطرف.

وله دواوين شعرية كثيرة منها: لجهاد الأفغان أغني – الزحف المدنس – حسبكم الله ونعم الوكيل..، وله أيضا عدد من المسرحيات، إلى جانب عدد من المؤلفات في الدعوة والفكر الإسلامي، وقد أصدر مركز الإعلام العربي له مجموعة الأعمال الشعرية والمسرحية في ثلاثة مجلدات كبيرة قارب ألفي صفحة، قدم لها المستشار عبد الله العقيل.

وكم من حملة جائرة تهاوت أمام عمق فكره ورسوخ علمه! وكم من عاصفة هوجاء تكسرت على صخرة قلمه! الذي ينبري لها، مفندا شبهاتها، ومبينا شهواتها، وموضحا تهافتها وضحالتها، معتمدا في ذلك على منهج له قسمات واضحة ومعالم رئيسة.

في معركة (وليمة لأعشاب البحر) التي فجرها الدكتور محمد عباس عام 2000، وانتهت بحل حزب العمل وإغلاق جريدة الشعب، وقف الدكتور جابر قميحة موقفًا مشرفًا، فكتب مقالات نارية ضد النظام الفاسد الذي كان يشجع نشر الفساد الأخلاقي وتدمير القيم الفضلى للمجتمع، وأصدر كتابًا مهمًا بعنوان (وليمة لأعشاب البحر في ميزان الإسلام والعقل والأدب)، فند فيها الرواية القبيحة سطرًا سطرًا، وكلمة كلمة، رغم ما كان يعود عليه ذلك بأشد الأضرار.

لقد كان الدكتور جابر قميحة بحق واحدًا من أهم الأصوات الأدبية والنقدية بوجه عام، والشعرية بوجه خاص، في الفترة الممتدة من نحو نصف قرن تقريبًا داخل الحركة الإسلامية؛ ذلك أنه يصدر فيما يبدعه من شعر ومسرح عن تصور إسلامي للكون والحياة، وهو ما يمكن التعبير عنه بأنه شاعر متحيز لموقف، ومتعاطف مع تصور نبيل، ومنتصر لمبادئ الفكرة الإسلامية في كل ما يبدعه.

وتزداد قيمة العطاء الشعري والأدبي للدكتور جابر قميحة عندما نعلم أنه مستمسك بالفكرة الإسلامية منذ مَنَّ الله عليه بإبداع الشعر، لم يتحول عنها لفكرة أخرى، ناضل ولم يزل من أجل انتصارها، وذيوعها، وفرض سلطانها على غيرها من الأفكار.

وهو في كل ما يمر بالأمة من أحداث مشتبك بقلمه، صادح بشعره؛ مما كان طبيعيًّا معه أن يفرز إنتاجه الشعري والمسرحي، وأن يتنوع شكل القصيدة عنده، وأن يتنامى بناؤها، ويتعاظم أمر الأفكار والفلسفات الجزئية التي تعالجها أشعاره، وأن يتطور بحكم الخبرة والتخصص أداؤه فنيًّا ولغويًّا وموسيقيًّا.

كان يتسم في كتاباته بسلامة اللغة، وروعة البيان، وجمال الأسلوب، والروح المرحة الساخرة، والذهن الحاضر الوقَّاد، والبديهة السريعة، فهو شاعر، له إبداع متميز، حمل لواء الدفاع عن قضايا الأمة الإسلامية، شعره يدعو إلى الفضيلة ومكارم الأخلاق، وينتصر للمظلومين والمضطهدين، حاثًّا إياهم على الثورة وعدم الاستكانة، إنه شاعر للدعوة الإسلامية، وَهَبَ حياته لمبادئه، ويمثِّل قلمه خط دفاع متقدم، يحرس به ما يعتقده من أفكار، فملأ مكانًا لم يهتم به أصحاب الدعوة التي ينتمي إليها كما اهتمَّ به مؤسسها الأول، فاستحقَّ عن جدارة لقب شاعر الدعوة.

لقد كان جابر قميحة -رحمه الله- يجمع بين الأصالة والمعاصرة، وربما كان لدراسته في دار العلوم دورٌ في ذلك؛ حيث لم تنجرف أدواته النقدية إلى ما انجرف إليه نقَّاد كبار من إغراق في المعميات النقدية التي تجعل القارئ ينفر من النقد والأدب معًا.

ولعلَّ الدكتور جابر كذلك من النقاد المعدودين الذين اهتمُّوا بتقديم شباب المبدعين لجمهور القرَّاء، وتناول أعمالاً إبداعية متميزة لهؤلاء الشباب، منها ما فاز بجوائز إبداعية كبيرة، وذلك مؤشر على مدى حساسية الذائقة النقدية للدكتور جابر في اكتشاف المواهب وتقديمها.

والدكتور جابر قميحة الكاتب المثقَّف يتميز في طريقته عن كثيرٍ من أقرانه ممن يهتمون بالشأن العام، فهو يكتب في قضايا الحياة بوصفه خبيرًا بمجتمعه، يشعر بمعاناة الناس حوله، كلُّ ذلك بأسلوب الأديب المبدع، فيصبح المقال ثريًّا بالاستشهادات الشعرية، والطرائف الأدبية ذات المغزى الرمزي؛ ما يجذب القارئ مهما اختلف مستواه الفكري أو المعرفي.

ومن الميزات التي امتاز بها روح الباحث العلمي التي لم تغب عنه في مقالاته العميقة أو الخفيفة؛ حيث كثيرًا ما يستدعي نصوصًا من مجلاَّت وصحف مرَّت عليها سنوات، حتى إن أصحاب الكلام أنفسهم ربما لا يتذكرونه، ونجد الدكتور جابر يستدعي نصوصًا من الماضي؛ ليضعها جنبًا إلى جنب مع الحاضر، فتُظهر المقارنة تصريحاتٍ زائفةً لمسؤول من الثقلاء، أو وعودًا وهمية لكبير من الكبراء، أو كذبًا صراحًا لكاتب من الأُجراء.. إلخ.

رحم الله الدكتور جابر، وحشره في زمرة العلماء والصديقين، وحسن أولئك رفيقا.

———————–

بتاريخ 24/11/2012 مجلة الأدب الإسلامي الإلكترونية

العدد 20

Print Friendly, PDF & Email
قالوا عن د. جابر قميحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

img
القائمة البريدية
img