يومياتي في أمريكا:
بلاد الكلاب .. والخضرة .. والآيس كريم
(44)
مع نبيل سرور والاستاد العملاق
الأربعاء 12 من ذي الحجة 1402 (29 سبتمبر 1982)
كتبت في يومية الأمس ( 28 سبتمبر 1982 ) ما يأتي :
الأخ المهندس نبيل سرور من الإخوة الرساليين الملتزمين ، ولا أنسى له أنه كان يمدني دائما بالصحف المصرية فقد كان مشتركا فيها كلها ، وبذلك فتح لي نافذة على مصر وأخبار مصر .
لقد دعاني الأخ الحبيب المهندس نبيل سرور لزيارته التى قد تطول لأكثر من يوم . واستجابة لدعوته أعددت نفسي في الصباح للسفر إليه ، كان علي أن أسافر إلى نيويورك أولا ، كانت حالتي النفسية طيبة للغاية ، وكان الجو غائما ، ولكن درجة الحرارة كانت معتدلة . إن علي أن أستقل عربة الباص ( الأتوبيس ) :
Gray hound وهذا اسم شركة الباص ، ومرسوم عليه كلب رمادي اللون مثل كلاب الصيد . إنها أول مرة أستقل فيها سيارة باص إلى خارج مدينة ” نيوهافن ” التى أقيم فيها ، وقبل ذلك كانت الوسيلة الوحيدة هي سيارات الإخوة .
تحرك الباص الفاخر قرابة العاشرة صباحا ليصل إلى نيويورك في الثانية عشرة ظهرا . وهناك كان الأخ نبيل سرور ينتظرني ، كان مستغرقا في قراءة جريدة الشعب ( صحيفة حزب العمل المصري ) . وتعانقنا ، فنحن لم نلتق من أشهر طويلة ، ورحب بي الأخ الكريم ترحيبا طيبا صادقا .
وانطلقنا عبر شوارع نيويورك إلى مسكنه بسيارته في ضاحية من ضواحي نيوجرسي .
ما أجمل هذه الفيلا الرائعة التى يقيم فيها الأخ الحبيب في ذلك الحي السكني الهادئ الجميل وأخبرني نبيل أنه اشتراها بقرابة 60 ألف دولار ، وأخبرني أن سعرها ارتفع إلى 100 ألف . وفي حديقته شجرتا تفاح ، وهو وأسرنه لا يأكلون ثمار الشجرتين ، فيسقط التفاح ويذبل . قلت له : آه لو كانت هاتان الشجرتان في مصر لأكل الناس ثمار الشجرتين حتى لو لم تنضج .
أضحكني الأخ نبيل وهو يقول : لقد زارتنا أمي ورأت هذه الثمار تسقط وتذبل ، فهالها الآمر ولم تقتنع حين أخبرناها أننا نشتري التفاح من السوق أرخص من تفاح شجرتينا ؛ لأننا نتكلف أكثر لو أحضرنا خبيرا زراعيا كل موسم ليقوم بعملية تعفير الشجرتين .
وجلسنا في الحديقة وأدرنا في المسجل شريطي ” المقامة الزبيبية “ إذ سجلتها بصوتي مع مغايرة الصوت وتلوينه تبعا للشخصية المتكلمة . وظهر التعجب والإعجاب من دقة تقليدي للسادات أكثر من غيره . أما زوجته السيدة شادية فلم تصدق أن هذا تقليد ، ونزلت إليها بنتها الكبرى وهي لا تفهم العربية وعلى وجهها علامات التعجب والاستغراب وهمست في أذن أمها بالإنجليزية ” إن هذا هو أنور السادات يتكلم “. “He is President Sadat Speaks”.
**********
وامتلأت سفرة الغداء بما لذ وطاب … الدجاج … واللحم الضاني … والقواقع البحرية … الخ . وكانت الوجبة معدة إعدادا رائعا .
قال لي نبيل إن بنتيَّ يرهبان لقاءك لأنهما لا يعرفان من اللغة العربية إلا أقل القليل . وفعلا وجدت فيهما خجلا واضحا ، ووجدتهما على قدر واف من
الجمال .
أما الأم السيدة شادية فخريجة كلية الأداب ، بجامعة عين شمس قسم التاريخ . وهمس الأخ نبيل في أذني : إنها تخشاك … إنها تخاف أن توجه إليها سؤالا أي سؤال في المجال العلمي أو التاريخي . وحينما قدمها إلي الأخ نبيل ، رحبت بي وقالت ” أنا خريجة قسم تاريخ … ولا أعرف شيئا في التاريخ ” .
**********
وفي الثامنة مساء انطلقنا بسيارة الأخ نبيل إلى الاستاد العملاق ، واسمه بالإنجليزية “Giant Stadium ” … إنه يبعد عن نيويورك قرابة عشرة أميال ورأيته اسما على مسمى … إنه استاد عملاق بمعنى الكلمة ، فهو يتسع لقرابة مائة ألف متفرج . ليس هذا فقط لكن رأيت فيه ما يميزه عن استادنا في أشياء كثيرة منها :
1- موقف السيارات يتسع لثلاثين ألف سيارة ، وهو مقسم إلى أقسام ، على كل قسم رقم معين ، حتى يعرف صاحب السيارة مكان سيارته .
2- الإضاءة القوية جدا ، وهي موزعة توزيعا أفقيا عادلا دقيقا .
3- سهولة الصعود إلى الاستاد بالسلالم المتحركة .
4- كثرة الأبواب ، ومصبات الخروج .
5- شاشة ضخمة جدا تسجل الأهداف ، وعددها ، وتعيدها . وتكتب عبارات ضوئية طريفة . فمثلا : إذا كان هناك لاعب سار بالكرة في فن وبراعة وهو في طريقة إلى مرمى الخصم نسمع صوت المذيع : Do it … Do itt
6- أندية كرة القدم هنا على ما علمت تعتبر شركات تجارية . ولكن الذي يهمني هنا هو أن المشتركين في هذا النادي ، أو مشاهدة المباريات في هذا الاستاد يكتب في بطاقته رقم المقعد الذي يشغله في كل المباريات ، وقد رأيت كثيرا من المقاعد خالية ، وهناك عدد كبير من المشاهدين يشهدون المباراة وقوفا . سألت الأخ نبيل عن السر في ذلك فكانت إجابته هؤلاء هم أصحاب ” التذاكر ” لا البطاقات ، ولا مانع عندهم أن يشهدوا المباراة وقوفا . سألته : ولماذا لا يشغلون المقاعد الشاغرة التى تخلف أصحابها عن حضور المباراة ؟ .
أجاب : إنه النظام يلتزمه المواطنون هنا بكل دقة ، دون موجه أو رقيب .
كانت مباراة كرة القدم بين ناديي ( كوزموس ، ونادي فلامنجو ) . وذلك بمناسبة اعتزال أحد لاعبي نادي كوزموس . وبدأت المبارة حامية الوطيس ، سادها نادي فلامنجو في الشوط الأول سيادة كاملة ، فسجل ثلاثة أهداف . وفي الشوط الثاني تغيرت الحال ، فسجل كوزموس ثلاثة أهداف ، منها هدفان من ضربتي جزاء . وكان متوسط هجوم كوزموس هو ” جورج ” الشحط الطويل العريض الذي رأيناه من قبل في القاهرة .
**********
بت ليلتي في فيلا المهندس نبيل ، ورحت في نوم عميق . وصلينا الفجر ونزلت إلى صالة الاستقبال بالجلباب البلدي . وعند الأخ نبيل شاهدت مجموعة من ( شرائط الكاسيت ) في علبة أنيقة عنوانها :
Islamic Teachings: series of interviews was with: Dr. Gamal A Badawi.
وحاولنا الاتصال هاتفيا بالمركز الإسلامي في جرسي سيتي عدة مرات للحصول على مجموعة ، ولكن حامل المفتاح لم يكن موجودا .
قال لي الأخ نبيل الحل المثالي وهو الحل الوحيد أن تأخذ مجموعتي ، وسأشتري أنا مجموعة أخري يوم الجمعة القادم إن شاء الله .
وجلست استمع لأحد الأشرطة ، فآمنت بأنني قد عثرت على كنز ثمين جدا … وأنعم به من كنز !! … في الطريقة والأداء والتصوير وصحة اللغة وروعة المفاهيم .
لقد بلغ جمال بدوي ما أدعو الله أن أبلغ بعضه قبل أن أفارق الحياة … إنه الآن أشهر داعية للإسلام على مستوى كندا وأمريكا الشمالية . وقد وصفه الأخ نبيل بما هو جدير به ، مع أنه لم يتخرج في الأزهر ، ولا في أية كلية تدرس الشريعة الإسلامية واللغة العربية ، فهو كما علمت محاسب ، أي أن تخصصه الأصلي هو الحساب والأرقام … والله يؤتي فضله من يشاء .
**********
حاولت السيدة شادية زوجة نبيل أن تسجل شريطي ” المقامة الزبيبية ” أو على الأقل الشريط الثاني ، ولكني رفضت بذوق ولطف ، ووافقني الأخ نبيل على منطقي ، ووجهة نظري ؛ فالحرص واجب ، والشريطان قد يمثلان متاعب أمنية ، لما فيهما من إسقاط لاذع ، ونقد مر لحكام حكموا ويحكمون بلادهم بالحديد والنار .
**********
والآن حل موعد العودة إلى نيوهافن … انطلق بي الأخ نبيل بسيارته إلى نيويورك ، ودخلنا في نفق طوله لا يقل عن ميلين … إنه نفق يمتد تحت نهر هدسن . كانت الساعة تقترب من الثالثة والنصف مساء ، وكنت حريصا على أن أستقل الأتوبيس في الثالثة والنصف … كنت أحمل ما يماثل ثلاثة أحمالي في المجيء ؛ بعد أن أنضاف إلى حقيبتي التى حملتها من سكني : كيس ، وحقيبة آخرى بها شرائط الدكتور جمال بدوي ، ونسخة بالعربية للقرآن الكريم ، وأخرى بالعربية والإنجليزية ، وبعض الجرائد العربية والمصرية ، ونسخة من كتاب الفريضة الغائبة ، وحملت أحمالي بمساعدة الأخ نبيل وهرولت إلى المبنى الكبير الضخم الذي يضم محطة ال Gray hound … عدوا ووثبا … لعل وعسى . الساعة الآن الثالثة وخمس وثلاثون دقيقة … حمدا لله .. لما يتحرك الباص بعد ، وسلمت السائق تذكرتي ، وصعدت وأنا أسائل نفسي : هل استطعت أن ادرك الباص حقا ؟ .
وأحمد الله لقد وصلت إلى نيوهافن في الثالثة وحملت أحمالي وارتميت على سريري في مسكني وأنا أدعو للأخ نبيل بالتوفيق والنجاح والقدرة على مواصلة جهده وجهاده .
الأربعاء 12 من ذي الحجة 1402 (29 سبتمبر 1982)
قطرات نفس
مكارم الأخلاق في الشعر (1)
تحتل القيم الإنسانية والأخلاق الطيبة مساحة واسعة من ديوان الشعر العربي . ونقدم فيما يأتي قطوفا من هذا الشعر :
االإنسان بعمله وخلق
لكل شي زينة في الورى قد يشرفُ المرء بآدابه |
وزينة المرء تمام الأدبْ فينا وان كان وضيع النسب |
ــــــــ
كن ابن من شئت واكتسب أدباً إن الفتى من يقول ها أنا ذا |
يغنيك محموده عن النسبِِ ليس الفتى من يقول كان أبي |
ــــــــ
صلاح أمرك للأخلاق مرجعُه فقوم النفس بالأخلاق تستقم
**********ِ
الحلم
واستشعر الحلم في كل الأمور ولا وإن بُليت بشخص لا خلاق له وللكف عن شتم اللئيم تكرماً |
تسرع ببادرةٍ يوماً إلى رجلِ فكن كأنك لم تسمع ولم يقلٍ أضر له من شتمه حين يشتم |
**********
الصدق
وما شيئٌ اذا فكرت فيه من الكذب الذي لاخير فيه |
بأذهب للمروءة والجمالٍ وأبعد بالبهاء من الرجالٍ |
ــــــــ
عليك بالصدق ولو أنه وابغٍ رضا المولى فأغبى الورى |
أحرقك الصدق بنار الوعيدٍ من أسخط المولى وأرضى العبيدٍ |
**********
الحب
إن نفسا لم يشرق الحب فيها أنا بالحب قد وصلت الى نفـ |
هي نفس لم تدْر ما معناها سي وبالحب قد عرفت الله |
**********
الحياء
ورُبَّ قبيحة ما حال بيني وبين ركوبها إلا الحياءُ
فكان هو الدواء لها ولكن اذا ذهب الحياء فلا دواءُ
ــــــــ
اذا لم تصن عٍرضاً ولم تخش خالقاً وتستحي مخلوقاً فما شئت فاصنعٍ
**********
التواضع
وأقبح شيئ أن يرى المرء نفسه تواضع تكن كالنجم لاح لناظر ولاتك كالدخان يعلو بنفسه |
رفيعاً وعند العالمين وضيعُ على صفحات الماء وهو رفيعُ على طبقات الجو وهْو وضيعُ |
**********
الصبر
إذا أدمت قوارضكم فؤادي وجئت إليكم طلق المحيا |
صبرت على أذاكم وانطويت كأني ما سمعت ولا رأيت |
ــــــــ
ولرُبٌّ نازلةٍ يضيق بها الفتى ذرعاً وعند الله منها المخرجُ
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فُرجت وكان يظنها لا تُفرجُ
ــــــــ
اصبر ففي الصبر خيرٌ لو علمت به لكنت باركت شكراً صاحب النعم
واعلم بأنك إن لم تصطبر كرماً صبرت قهراً على ما خُطَّ بالقلمِ
**********
الاقتصاد و الزهد
أنفق بقدرٍ ما استفدت ولا من كان فيما استفاد مقتصداً |
تسرف وعش فيه عيش مقتصدِ لم يفتقر بعدها إلى أحدِ |
ــــــــ
إنما الدنيا متاع زائل عجب للدهر كم من أمم |
فاقتصد فيه وخذ منه ودع قد أباد الدهر والدهر جذع |
**********
العدل
وما من يدٍ إلا يد الله فوقها وما من ظالمٍ إلا سيُبلى بأظلمِ
ــــــــ
لا تظلمنّ اذا ما كنت مقتدراً فالظلم ترجع عقباه الى الندمِ
تنام عيناك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنمِ
**********
العفو
وما قتل الأحرار كالعفو عنهم إذا أنت أكرمت الكريم ملكته فوضع الندى في موضع السيف بالعلا |
ومن لك بالحر الذي يحفظ اليدا وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا مضرُّ كوضع السيف في موضع الندى |
ــــــــ
اذا ما الذنب وافى باعتذار ولاتحقد وان ملئت غيظاً |
فقابله بعفوٍ وابتسام فإن العفو من شيم الكرام |
**********
الطموح
وما المرء إلا حيث يجعل نفسه فكن طالباً في الناس أعلى المراتب
ــــــــ
واذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام
**********
في إغفال السِّفلة
كم من لئيم مشى بالزور ينقله لا يتقي الله لا يخشى من العار
لو كل كلب عوى ألقمته حجرا لأصبح الصخر مثقالا بدينار
اترك تعليقاً