img
يومياتي في أمريكا: بلاد الكلاب .. والخضرة .. والآيس كريم (14)
img
Print pagePDF pageEmail page

يومياتي في أمريكا:

بلاد الكلاب .. والخضرة .. والآيس كريم

(14)

الطيران إلي القدوة الحسنة

تقع ولاية ” إلينوي ” في شمال وسط الولايات المتحدة الأمريكية، “

” وهي كلمة هندية تعني “سكان” بلغة قبائل الهنود الحمر الأصليين .

تحتل الولاية المرتبة السادسة في أمريكا من حيث نسبة عدد السكان من أصل عربي، إذ يبلغ عددهم فيها 220 ألف نسمة حسب أرقام تقرير “المعهد الأمريكي العربي

 تبلغ نسبة المسلمين في الولاية 8% من إجمالي السكان .

 ومن أهم معالم الولاية النصب التذكاري للرئيس الأمريكي السادس عشر لنكولن Abraham Lincoln. وتشتهر الولاية أيضا بكونها مسقط رأس الرئيس الأمريكي

 عاصمة الولاية هي مدينة سبرينغفيلد يبلغ عدد سكانها 113,586 وتعد مدينة شيكاغو أكبر مدن الولاية

تاريخ إلينوي

اكتشف الفرنسيان جاك ماركات ولويس جوليت ولاية إلينوي عام 1673. أحتل المستوطنون الأمريكيون الأوائل المناطق الجنوبية للولاية ثم انتشروا بسرعة كبيرة نحو الشمال طاردين منها قبائل الهنود الحمر أو سكانها الأصليين. وخلال حرب بلاك هوك عام 1832، استولى المستوطنون الأمريكيون على أخر أراضي الهنود الحمر في شمال ولاية إلينوي وأبادوهم إبادة كاملة. وخضعت الولاية في تاريخها الأول بعد وصول الأوربيين إلى الإمبراطورية الفرنسية واستمرت كذلك حتى عام 1763 الذي أصبحت فيه تحت السيادة البريطانية. غير انه وفي عام 1783، تخلت بريطانيا عن إلينوي لصالح الولايات المتحدة الأمريكية. وتأسست الولاية في فبراير (شباط) عام 1809 وأصبحت الولاية الحادية والعشرون من الولايات المتحدة الأمريكية.

تلقب ولاية إلينوي ب”أراضي لينكولن” نسبة إلى الرئيس أبراهام لينكولن الذي أمضى معظم حياته السياسية فيها.

واحتلت مدينة شيكاغو موقعا استراتيجيا هاما بعد عام 1848 لاحتوائها على ميناء بحري وشبكة سكك حديدية هامة.

سكان إلينوي

حسب إحصائيات عام 2003 يبلغ عدد سكان ولاية إلينوي 12,653.544 مليون نسمة، وبذلك تحتل الولاية الرتبة الخامسة بالنسبة للكثافة السكانية. ويشكل البيض من أصول أوربية غالبية عظمى تبلغ 73.5%، والأمريكيون الأفارقة 15.1%، والأسيويون 3.4%، والهنود الحمر 0.2 %، والأمريكيون اللاتينيون 1.9%، وآخرون من أصول جزر المحيط الهادي 0,1%، وبالإضافة إلى نسبة سكان من أجناس أخرى غير مذكورة في الإحصاء تقدر نسبتهم 5.8%، وآخرون يعتبرون أنفسهم متعددي الأجناس نسبة 1.9%. تبلغ نسبة المهاجرين في الولاية المولودين خارج الولايات المتحدة الأمريكية 12.3%. تقدر نسبة الكثافة السكانية 223.4 شخص في الميل المربع. وتبلغ نسبة من يملكون مساكنهم 67.3% من السكان. تبلغ نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر 10,7 % وهذا بالمعايير الأمريكية. (أي دخل أقل من 9,827$ سنويا للفرد الواحد)

 *************

 قدمت هذه الكلمة – وقد نقلتها من مراجعها العلمية – عن ولاية ” ألينوي ” حيث تقع العاصمة ” سبرنج فيلد ” التي عقد بها مؤتمر ” القدوة الحسنة ” – وهو موضوع هذه الحلقة من يومياتي في أمريكا – حتى يستكمل القارئ تصوره لخطوط المؤتمرومعطياته.

 — ————————-

 * ونحن في الثلث الأخير من ديسمبر 1981 . وبالتحديد في يوم الأحد 20 من ديسمبر سنة 1981 تلقيت دعوة من الشباب المسلم لحضور مؤتمر عالمي شعاره ( القدوة الحسنة ) ويبدأ المؤتمر في يوم الثلاثاء 25 من صفر 1402 ه الموافق 22 من ديسمبر 1981 إلي يوم السبت 29 من صفر 1402 ه الموافق 26 من ديسمبر 1981 . و سيكون المؤتمر في مدينة ” اسبرنج فيلد ” بولاية ألينوي “.

وكان من الطبيعي أن البي الدعوة ، وخصوصا أنني رأيت من هؤلاء الشباب نشاطا إسلاميا دفاقا في نيوهافن ، ووست هافن ، وفلادلفيا ، وغيرها .

 وقبل المؤتمر بيوم ركبنا الطائرة من نيويورك أنا وبعض الإخوة ، وقد حطت في مطار ” سانت لويس ” بعد ثلاث ساعات من الطيران . حيث كان ينتظرنا بعض الشباب بسياراتهم لنصل إلي ” اسبرنج فيلد ” بعد قرابة ساعتين ، كان اليوم باردا جدا وكان الجليد يغطي كل المنطقة من سانت لويس الي اسبرنج فيلد ، حتي الأشجار ظهرت كلها مغطاة بوشاح جليدي أبيض, والجبال والطرق علي الجانبين كلها مكسوة بغشاء كثيف من الجليد ماعدا الشريط الأسود الذي جرف المسئولون الجليد منه لسير السيارات .

أنزلنا منظمو المؤتمر وأغلبهم من الطلاب العرب في فندق هيلتون ألذي يتكون ببنائه الدائري من عشرات الأدوار. ومن عجب أن الأدوار تتوالي ماعدا الدور 13 ( 10 – 11 – 12 – 14 – 15 – الخ ) وذلك من قبيل تشاؤمهم من هذا الرقم .

ومن ضيوف هذا المؤتمر : الدكتور يوسف القرضاوي ، و الدكتور عبد الله عزام ، و الدكتور احمد نوفل ، وشخصيات فكرية قيادية إسلامية ، وضم المؤتمر جنسيات متعددة من الولايات المتحدة ، وانجلترا وبعض الدول الأسيوية ،والأفريقية منهم من كان يدرس في الولايات المتحدة ، ومنهم من جاء خصيصا لحضور المؤتمر . وقد كتبت في يومياتي الكلمات الآتية التي أنقلها بالنص :

 ” المؤتمرات السنوية التي يعقدها المسلمون في أمريكا يكون لها أصداؤها القوية في كل الولايات الأمركية، وقد استجبت لدعوة جماعة الشباب المسلم العربي، وحضرت مؤتمرها السنوي الذي عقدته في مدينة “سبرنج فيلد” بولاية (ألينوي ) واستمر خمسة أيام أواخر شهر ديسمبر 1981م.

 انطلقت بنا الطائرة من نيويورك ووصلت إلى مدينة سنت لويس بعد ثلاث ساعات , ومنها بالسيارة إلى سبرنج فيلد , كان اليوم عاصفًا جليديًا ارتفع فيه الجليد إلى قرابة متر، وكنت أعتقد أنه من المؤتمرات التقليدية التي يحضرها بعض الدعاة الرسميين بقصد الدعاية والاستهلاك المحلي أو الخارجي.

 ولكن ما رأيته كان عجبًا .. أكثر من خمسة آلاف شاب مسلم أغلبهم من الطلاب العرب والمصريين والأفارقة، وبعضهم من المسلمين الأمريكيين، وما شاهدته جعلني أؤمن بإمكانية قيام الدولة الإسلامية المثالية في القرن العشرين، فقد رأيت صورة مصغرة لهذه الدولة، استطاع جهاز الشباب المسلم أن ينظم المؤتمر في كل شؤونه بدقة جعلت الصحف الأمريكية تشهد له بالمقدرة والتفوق، علمًا بأن جهاز التنظيم كان من الشباب الذين لم يجاوزوا الخامسة والعشرين من عمرهم:

 كانت الإقامة في فندق هيلتون بالمدينة والفندق يرتفع إلى قرابة ثلاثين طابقًا.

 كان الشباب المسلم هم الذين يقومون بالخدمة في المطعم وحجرات الفندق على مستوى عال جدًّا.

 كان المؤتمر يصدر كل يوم جريدة بوقائعه وما جرى فيه من ندوات ومحاضرات.

 كانت المحاضرات تسجل، وبعد انتهاء المحاضرة بساعة تكون لجنة النشر والإعلام قد طبعت منها الآلاف من الشرائط لتعرض للبيع في مركز التوزيع في المؤتمر.

 كان في المؤتمر معرض كبير للكتب الإسلامية، والملابس، والمشغولات العربية، والمطرزات، وملابس الأطفال من عمل السيدات المسلمات قدمنها تبرعًا لجماعة الشباب المسلم.

 ورأيت من هؤلاء الشباب من يتقن الإنجليزية حديثًا وخطابة، وكتابة ..

 وكانت “الله أكبر” التي ترتفع بها حناجر خمسة آلاف شاب مسلم بلحاهم السوداء وجلاليبهم البيضاء تجعل العيون تفيض بدموع السعادة والخشوع، وتهز جوانب قاعة المحاضرات الكبرى الملحقة بالفندق، ولم أر في حياتي أزهى من فندق هيلتون بأدواره الثلاثين، وهو يسبح في النور وقت الفجر، وصوت المؤذن يرتفع بحرارة الإيمان في هذا الجو الجليدي القاسي “الصلاة خير من النوم” وقلت لنفسي، سبحان الله .. لقد كان الفندق من يوم أو أيام مرقصًا ومباءة تهتك وخمر وقمار، واليوم يعلو فيه اسم الله وصوت الحق والطهر والإيمان!!.

 **********

 ولا أستطيع أن أترك الحديث عن المؤتمر دون أن أنوه بصورتين إن دلتا على شيء فإنما تدلان على عظمة الإسلام، وعمق الشعور الديني، وصدق التدين في نفوس هؤلاء الشباب.

 وقف أحد محاضري المؤتمر يتحدث عن البذل والتضحية في الإسلام، ثم ختم محاضرته بالحديث عن أفغانستان وحاجة المجاهدين إلى الدعم المادي، واندفع الشباب إلى المنصة ليفرغوا كل ما في جيوبهم، وفي أقل من نصف ساعة .. كان على المنصة أكر من ربع مليون دولار قدمت لصالح مجاهدي أفغانستان المسلمة . وكانت هذه هي الصورة الأولى، وهي صورة تسعد كل مسلم وتملأ نفسه ثقة واعتزازا بهؤلاء الشباب.

 أما الصورة الثانية فهي صورة “الأخ عمر” وهو شاب أمريكي يتدفق وجهه بالحيوية والإشراق .. رأيت الإخوة المصريين والعرب يرحبون به ترحيبًا خاصًا . كان مسيحيًا وأسلم وتسمى باسم “عمر” ولإسلامه قصة تدل على عظمة هذا الدين وأثر الالتزام بقواعده وآدابه، وأخلاقياته .. وتتلخص هذه القصة في أن هذا الشباب الذي لم يجاوز العشرين إلا بقليل كان يعيش شأن الغالبية العظمى من الشباب الأمريكي عيش التهتك والعربدة والسقوط , ووقع نظره على فتاة صومالية مسلمة جاءت من بلادها لدراسة الهندسة الكيميائية في إحدى الجامعات الأمريكية، وأراد هذا الشاب أن ينال من هذه الفتاة المسلمة المحجبة .. وكان يعتقد أن المسألة لن تكلفه إلا “دعوة” وتكون بعدها الاستجابة والتسليم، وخصوصًا أن الفتاة كان حظها من جمال الشكل ضئيلاً .. وتحطمت كل محاولاته على حصن منيع اسمه “عفة المسلمة” وطار صواب الفتى الذي لم تستعص عليه الفاتنات الساحرات حين رأى هذه الزنجية تمرغ كبرياءه في الطين.

 ولكن كيف أصل إليك؟

 بالزواج.

 ولكن ألا تكفي الصداقة ..

 الزواج هو الطريق الشرعي الوحيد عندنا.

 أنا موافق .. هيا نتزوج ..

 لا بد وأن تسلم أولاً ..

 آسلم ؟ كيف ؟

ولأول مرة يسمع كلاما عن دين ينهى عن الفحشاء والمنكر، ولا يفضل عربيًا على عجمي إلا بالتقوى

وأسلم الفتى .. وتاب إلى الله وأناب , وعاش الزوجان في سعادة وهناءة تظللهما التقوى والإيمان ..

 **********

وأحب أن أنبه الي أن كثيرا من الإخوة الذين كانوا في رحلات خارج مصر ، وخصوصا الذين كانوا يؤدون العمرة . حضروا المؤتمر حرصا علي المشاركة من ناحية ، وحذرا من العودة إلي مصر في جو سياسي مضطرب بعد مقتل السادات . ومن هؤلاء الحاج عباس السيسي الذي التقيت به ونحن نتناول طعام الغداء في المطعم الكبير ، والشباب المسلم يقوم بالخدمة من أولها إلي آخرها ، ابتداء من وضع الطعام أمام هذا العدد الكبير من المدعويين ، ثم جمع الأطباق بعد الانتهاء من تناول الطعام ، وكان دائما مبتسم الوجه . سألته مارأيك فيما تري ؟ فأجاب الرجل بتلقائية : إني أري أن الدولة الإسلامية سهلة القيام . فإن الذي يستطيع أن يطعم هذا العدد الضخم في نصف ساعة يستطيع أن يكون عنصرا قادرا علي قيام مثل هذه الدولة .

 وقد ظهرت براعة الشباب المسلم في تنظيم الندوات بدقة متناهية في التوقيت و المداخلات ، فمثلا إذا كان هناك ندوة يحضرها بعض الأساتذة الكبار مثل الدكتور القرضاوي ، و الدكتورعبد الله عزام ، كنت تجد شابا لا يتجاوز العشرين ينظم في براعة هذه الندوة بحيث لا تتجاوز 58 دقيقة ، وعلى المتحدثين أن يأخذوا أنفسهم بما ” يأمر هذا الشاب المنظم ” . ولا يمر ساعة بعد ذلك إلا و تطبع الندوة في أشرطة “كاسيت ” لتوزع على الحاضرين .

ولنا عودة لاستكمال الحديث عن هذا المؤتمر العظيم

قطرات نفس

قل آمنت بالله ثم استقم ، قلها واجعلها نبراس حياتك ،وإذا عزمت فتوكل على الله ، وقل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ، ولتجعل اعتمادك على الله ، وتوكلك عليه طبيعة فيك ، ولكن عليك أن تفرق بين التوكل والتواكل ، فالتوكل هو الاستسلام المطلق لله في السراء والضراء ، وفي المنشط والمكره ، مؤمنا أعمق أعماقك أنه لن يصيبك إلا ما كتبه الله لك .

ولتتذكر قول الشاعر الذي خوفوه من مجابهة أعدائه ، خشية أن يقضوا عليه :

أيَّ يوميَّ من الموت أفرْ          يوم  لا  يُقدَر  أو يوم قُدِرْ ؟

يوم  لا  يًقدر  لا  ارهبهُ         ومن المقدور لا ينجي الحذر

 فالتوكل على الله لا يلغي العمل بل يتطلبه ، ويلزم به ، بصرف النظر عن النتيجة ، فعليك أن تسعى و ليس عليك إدراك النجاح ؛ فإن العمل بيد البشر ، و النتيجة بيد الله .

 أما التواكل فهو هجر العمل بادعاء : أن ما قدر لابد ان يكون ، و أننا يجب أن ننفق حياتنا كلها في عبادة الله . و ينقل التاريخ أن عمربن الخطاب رضي الله عنه مر بالمسجد فوجد جماعة يقرأون القرأن ليل نهار ، ولا يفارقون المسجد ، فسأل عمر عنهم ، فقيل له : يا أمير المؤمنين إنهم المتوكلون … المتوكلون على الله ، رصدوا عمرهم للصلاة والعبادة وتلاوة القرآن .

سألهم عمر : ومن يطعمهم ويسقيهم ؟ فجاءته الإجابة : كلنا يا أمير المؤمنين ، حتي ننال ثواب هؤلاء المتوكلين ، فضربهم عمر ، وطردهم من المسجد ، وقال لهم في غضب : لستم المتوكلين ، ولكنكم المتأكلون ، لأنكم نأكلون أموال الناس بالباطل ، يا معشر المتأكلين ، إن المتوكل الحق من شق التراب ، وبذر الحب و اعتمد على رب الأرباب ، اقرءوا قوله تعالي ” فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض ، وابتغوا من فضل الله … “ الجمعة 10 .

من 22 ديسمبر 1981 إلي 26 ديسمبر 1981

Print Friendly, PDF & Email
مقالات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

img
القائمة البريدية
img