img
وداعا أديب الإخوان!
img
Print pagePDF pageEmail page

وداعا أديب الإخوان!

حاتم إبراهيم سلامة*

بعد رحيل الأديبين العملاق (سيد قطب) والروائي العظيم الدكتور (نجيب الكيلاني)، لم يكن للإسلاميين حظ في عالم الأدب وفنونه، وهو الميدان المؤثر.. الذي يحتله العلمانيون والليبراليون بإجادة، ويستأثرون به دون غيرهم.. وما زلت أذكر دعوة شيخنا القرضاوي -أمد الله في عمره وعمله- حين نادى الإسلاميين وشباب الصحوة، أن يقتحموا ميدان الأدب والشعر والقصة والرواية والمسرحية. وما زلت أذكر تساؤلاً لأحد الدعاة وهو يقول: “لماذا لا يوجد بين الإسلاميين شاعر مثل عبد الرحمن الأبنودي أو أحمد فؤاد نجم… بل بالغ في التعبير عن غضبه قائلاً: لماذا لا يوجد بين الإسلاميين امرأة مثل نوال السعداوي؟!!”.

والحق أن التوجه الأدبي وتواجده في ميدان العمل الإسلامي، لم يمتد بعد الراحلين إلا على يد الدكتور جابر قميحة -رحمه الله- الذي أثرى الساحة بإبداعاته وشعره ومقالاته، التي كانت تنعش القراء ببيانها العذب الرصين، فقد كان ذا عقل حصيف، وحافظة متقدة، وتأمل عميق، ونظر واعٍ، وفكر بصير، وعبارة جزلة، وبيان ساحر، وبلاغة فريدة.

أحب القراءة منذ صغره، وحفظ كثيرًا من الشعر والنثر، وقال عنه أحد أساتذة الأدب بدار العلوم: “التحق بدار العلوم طالب اسمه (جابر قميحة)، يحفظ حمل بعير من الشعر ومثله من النثر”.

عاش الدكتور جابر قميحة -رحمه الله- جنديًّا من جنود الدعوة، ينافح عنها ويزود عن حياضها، ويرد عنها سهام الافتراء والزيغ، وحِراب الأضاليل والأكاذيب، وكان مداده صولة على الباطل، يجلي به الحقائق، ويكشف به ما علاها من غبار وغبش.

ما زلت أذكر مقالاته في صحيفة (آفاق عربية)، التي كنا ننتظرها بشغف، لنعيش مع سطور الكاتب أمتع اللحظات وأجملها، وهو يغوص بنا في الأعماق، ويشدو بنا يمينًا ويسارًا، ثم يتسامى إلى الأفق وقد سلمنا له مشاعرنا، وأذعنت لبلاغته حواسنا.

تصدى الدكتور جابر قميحة -رحمه الله- ببيانه اللاذع اللاسع لأقلام الزيغ والإفك، فكان درع الدعوة التي يرد عنها حقد المفترين الأفاكين، الذين كانوا يمالئون السلطان وينافقون الحاكم، وينالون من دعوة الإخوان زورًا وبهتانًا.. وما كان لمثله أن يستكين عن مثل هؤلاء، فهو الجدير بصدهم والهزاءة بهم، ودحر كيدهم بما يملك من سهام البيان وقذائف البلاغة، حتى يجعل منهم أضحوكة القراء والناظرين.

ففي مقال له بعنوان (بل الحزب الوطني هو المحظور) يقول: “جماعة الإخوان المسلمين تكاد تفرد في الساحة السياسية بإلصاق هذا الوصف بها، فيقال: (جماعة الإخوان المحظورة)، ويجري هذا التوصيف على ألسنة كبار الحزب الوطني ورجال السلطة، ومَن سار على دربهم من الصحفيين وغيرهم. ومن الأوصاف التي تُخلَع على الجماعة أيضًا ما نراه في قولهم: (جماعة غير شرعية) أو (جماعة غير مشروعة).. وأقدَم من ذلك قولهم: (الجماعة المنحلّة)، وهو وصفٌ غالط لغويًّا؛ لأن “الانحلال” -وهو يعني التفكك- فعل ذاتي وليس فعلاً غيّريًّا، فهو يعني أن الجماعة حلّت نفسها بنفسها، فهي “منحلّة” أي مفكوكة مبعثرة، من “حلّ” العقدة.. أي فكَّها”.

كذلك يخالف هذا الوصف “العُرف الاستعمالي” الذي دأب على استخدام الكلمة بمعنى “الانهيار الخلقي”، فيقال: “هذا إنسان منحلّ” أي: فاسد عربيد، سيِّئ الخلق والسلوك، ويقال: “حزب مشروع” أي يتمتع -قانونًا- بالوجود، ومزاولة النشاط، والمشاركة في الحركة السياسية. ويقال: حزب محظور؛ أي يحرم القانون قيامه ومزاولة نشاطه، وعمله الحزبي كشخصية “اعتبارية”، وإن سُمح بذلك لأفراده بوصفهم مواطنين”.

وفي مقال لـ(أسامة سرايا) هاجم فيه الإخوان ومرشدهم، قال أديبنا الراحل جابر قميحة: “وبفوقية مرفوضة يصف “سرايا” مرشد الإخوان بـ”الشيخ”، ومن سذاجته أن يجهل أن إلصاق هذا الوصف بمرشد الإخوان يعدّ تشريفًا لرجل لم يتعلم في الأزهر”.

وفي مقالة بعنوان (وزير الأوقاف وتجلياته الزقزوقية) كتب يقول: “الشيخ الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير أوقافنا ليس شيخًا ولا وزيرًا عاديًّا؛ لأنه صاحب “تجليات” موسمية لا تنقطع، وكلها بحمد الله تجليات “مضروبة” لا تليق به شيخًا، ولا دكتورًا، ولا وزيرًا، فهي تذكرني بتجليات مولانا “كبير الهامة” الذي كان يجلس على مصطبة في بلدنا، وقد علق في عنقه عشرات من المسابح، وكل عمله أن يهزّ رأسه يمنة ويسرة، ويمر به العوام يقبلون يده، ويضعون فيها النقود”.

وحينما وصف الكاتب العلماني (السيد ياسين) شعار الإخوان (الإسلام هو الحل) بأنه شعار غوغائي، ردّ عليه أديبنا جابر قميحة بقوله: ولا أدري على أي أساسٍ حكم هذا “الفحل” بهذا الوصف على الشعار.. هل بالنظر إلى منطوقه، ومنطوقه قيم رفيع راقٍ…”.

ولأديبنا الكبير الدكتور جابر قميحة إسهاماته العلمية ومؤلفاته في الأدب والنقد، منها: أدب الخلفاء الراشدين، أدب الرسائل في صدر الإسلام، منهج العقاد في التراجم الأدبية، التقليدية والدرامية في مقامات الحريري، الشاعر الفلسطيني الشهيد عبد الرحيم محمود، التراث الإنساني في شعر أمل دنقل، صوت الإسلام في شعر حافظ إبراهيم، الأدب الحديث بين عدالة الموضوعية وجناية التطرف.

وله دواوين شعرية كثيرة منها: الزحف المدنس – حسبكم الله ونعم الوكيل – لجهاد الأفغان أغني.

وله عدد من المسرحيات، إلى جانب عدد من المؤلفات في الدعوة والفكر الإسلامي. وقد أصدر مركز الإعلام العربي له مجموعة الأعمال الشعرية والمسرحية في ثلاثة مجلدات كبيرة قاربت ألفي صفحة.

إن الدكتور جابر قميحة امتداد للأدباء العباقرة سيد قطب، ونجيب الكيلاني، ولا شك أيضًا أن رحيله يُفقد التيار الإسلامي تواجده في هذا الميدان؛ مما يحدونا أن نجدد دعوة الشيخ القرضاوي لشباب الصحوة أن يقتحموا ميدان الأدب؛ حتى يكونوا أداة للحق وسلاحًا للدعوة، ويقوموا بالدور الذي كان يقوم به الفقيد جابر قميحة رحمه الله.

—————————–

* كاتب صحفي.

Print Friendly, PDF & Email
قالوا عن د. جابر قميحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

img
القائمة البريدية
img