img
والجهاد ماض إلى يوم القيامة
img
Print pagePDF pageEmail page

والجهاد ماض إلى يوم القيامة

تهل علينا الأعياد والمناسبات الإسلامية، ونحن نعيش أيام الغربة والكربة، والأوجاع والآلام؛ فلا فرحة، ولا شعور بمتعة، ما دامت القدس في يدالأعداء، الذين نهبوا الأرض، وهتكوا الحرمات، وشردوا الشعب الأصيل، وهذا ما عبر عنه الشاعر “عمر بهاء الدين الأميري”- رحمه الله- بقوله:

ما العيد والقدس في الأغلال رازحةٌ
وأسـتـجـير برب البيت في iiقلق
وأرسـل الـدعوة الحرى على iiثقة
فـالـنصر في قدَر الله الحكيم على
والـمـسـلـمـات سبيات iiلفسَّاقِ
عـلـى “المدينة” من فتكٍ iiوإزهاقِِ
بالله فـي صـبرِ فذِّ العزمِ iiعملاقِ
وعْـد مـع الصبر في إيمان iiسبَّاق

والنكبات تنزل بالشعوب المسلمة بفعل العدو الخارجي، وبأيدي أصحاب الأرض والقضية , ولكن حكام هذه الشعوب كانتوما تزال- جرائمهم في حقها أشد وأنكى، يقول عمر بهاء الدين الأميري:

يـقـولـون لـي عيد سعيد، وإنه
هُمُو أوقعوا الهول الضروس بقومهم
لَََـيـومُ حـساب لو نحسُّ iiونشعرُ
فهم قدروا- ويل لهم- كيف قدّروا؟

مع التاريخ:

ونعود إلى المنابع الصافية.. إلى سيرة الرسول- صلى الله عليه وسلموصحابته، ونصغي لأنس بن مالك- رضي الله عنه- وهو يقول:
قدم رسول الله- صلىالله عليه وسلم- المدينة، ولهم (أي للأنصار) يومان يلعبون فيهما، فقال: “والأضحىى“.

وما جاء هذا التشريع إلا من حرص النبي- صلى الله عليه وسلم- على أنيكون للمسلمين شخصيتهم المتفردة، المتميزة في أعيادها، وسلوكها، وعبادتها، ومنه جهافي شتى مناحي الحياة.

جهاد موصول:

لقد أباح ديننا في العيد اللهو البريء؛ ترويحًا عن النفس، وتسليةلها، قالت عائشة- رضي الله عنها- فيما يرويه أحمد والشيخان أن الحبشة كانوا يلعبونعند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في يوم عيد، فاطلعت من فوق عاتقه، فطأطا ليمنكبيه، فجعلت أنظر إليهم من فوق عاتقه حتى شبعت، ثم انصرفت.

ومع ذلك استمرت مسيرة الجهاد في شوال، شهر عيد الفطر، فكان فيه منالسرايا سرية “عبيدة بن الحارث”- رضي الله عنه- وسرية “عبد الله بن رواحة”- رضيالله عنه- وكان فيه من الغزوات: غزوة أحد، وغزوة حمراء الأسد، وغزوة الخندق، وغزوةحنين، وغزوة الطائف.

والسرية الأولى كانت بعد ثمانية أشهر من الهجرة، وكانت كلها من المهاجرين؛ التقت أبا سفيان ومائتين من الكفار، وحدث تناوش بالسهام، ولم يحدث التحام، وكأنها كانت مهمة تدريبية؛ استعدادًا لما هو آتٍ من معارك كبرى.

أما السرية الثانية، فكانت في شوال سنة 6ه لقتل الزعيم اليهوديأسير بن رزام”، الذي جمع اليهود، وحاول إثارة غطفان على المسلمين، وقد حققت هدفها.

وكانت غزوة أُحُد في شوال سنة 3ه، وعلى الرغم مما أصاب المسلمينفيها من انكسار في مرحلة من مراحل المعركة، فإنها تمحضت عن نصر معنوي قيم، تمثلفي الدرسين الآتيين:

الأول: من أهم عوامل النصر: الانضباط العسكري التام، والالتزام بأوامر القائد الأعلى.

والثاني: ترسيخ مبدأ الشورى بنزول قوله تعالى بعد المعركة: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّاغَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْلَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ﴾(آل عمران: 159)، مع أن النبي- صلى اللهعليه وسلم- كان يرى مقاتلة المشركين في المدينة، ولكنه تخلَّى عن رأيه بعد أن رأىأن الغالبية- وخصوصًا الشباب- ترى الخروج إلى أُحُد للقتال، والآية تهدف إلى ضرورة مشاورة القائد أصحابه، فيما لم ينزل فيه وحي، حتى لو لم تتحق النتائج المرجوة.

وبعد أُحُد بيوم واحد، وعلى بعد ثمانية أميال من المدينة، نزلت قريشفي طريق عودتها إلى مكة، وعلم النبي- صلى الله عليه وسلم- أنهم يهمُّون بالعودة إلىالمدينة للإجهاز على المسلمين، فعزم على الخروج إليهم، وظهرت عبقريته في عملين:

الأول: ندب إلى الخروج الذين شهدوا أُحُدًا دون غيرهم؛ حتى يرفع منمعنوياتهم، ويعيد إليهم الثقة بأنفسهم.

الثاني: أنه أقام بجنده بحمراء الأسد ثلاثة أيام، وأمرهم أن يوقدواكل ليلة خمسائة نار، فاعتقد الكفار أن المسلمين آلاف مؤلفة؛ لأن النار الواحدة لايوقدها إلا مجموعة من خمسة أفراد على الأقل؛ وهو ما جعل الرعب يدب في قلب أبي سفيانومن معه، فعادوا إلى مكة.

وكانت غزوة الخندق (الأحزاب) في شوال سنة 5ه، ومن الدروس والقيمالتي أفرزتها هذه الغزوة ما يأتي:

1- إثبات النبي- صلى الله عليه وسلم- أنالحكمة ضالة المؤمن؛ أنى وجدها، فهو أحق الناس بها “، فقد أخذ برأي سلمان الفارسي فيحفر الخندق، ولم تكن العرب تعرف هذه الوسيلة الدفاعية من قبل.

2- شارك النبي- صلى الله عليه وسلم- المسلمين في حفر الخندق كواحد منهم؛ ليثبت أن القائد الحق يجب أن يكون قدوة لجنوده.

3- ثمت حادث عارض أثناء حفر الخندق، خلاصته أن صخرة عجز المسلمون عنتكسيرها، بل إنها كسرت حديد معاولهم، فهبط إليها رسول الله- صلى الله عليه وسلموفتتها بثلاث ضربات، ومع كل ضربة كانت تُخرِج ضوءًا، وفي الأولى بشر المسلمين بفتح الشام، وفي الثانية بشر المسلمين بفتح فارس، وفي الثالثة بشر المسلمين بفتح اليمن. وقد تحقق للمسلمين فيما بعد- ما بَشَّر به النبي- صلى الله عليه وسلم.

ودلالة ذلك أن على المسلم ألا يفقد الأمل، وييأس من روح الله ومننصره، حتى وهو في أشد حالات الكرب والمحن.

وكانت غزوة حنين في العاشر من شوال سنة 8 ه، ومن دروسها: أن الكثرةلا تغني عن تأييد الله، وأن الانشغال بالغنائم والماديات يقود إلى الهزيمة، وأن الثبات والصبر يحولان الهزيمة إلى نصر.

ثم كانت غزوة الطائف بعد ذلك في أواخر شوال من العام نفسه، وفيها ظهركرم النبي- صلى الله عليه وسلم- وسماحته ووفاؤه، فحينما التقى بعد الانتصار أخته في الرضاعة “الشيماء بنت حليمة السعدية”، قال لها: “سلي تُعطَيْ،واشفعي تُشَفَّعي، فسألته إطلاق السبي، فأطلقهم وكانوا ستة آلاف

جهاد بمفهومه الشامل

ومنالقواعد والأصول المعروفة أن الأصل في الإسلام السلام , وأن القتال استثناء لضرورة , ومقتضى قوي . وقد قال تعالى “وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون “

التوبة6.

ويقول الراغب الأصفهاني في “المفردات” : …والجهاد والمجاهدة : استفراغ الوُسْع في مدافعة العدو. والجهاد ثلاثة أضرب: مجاهدة العدو الظاهر.ومجاهدة الشيطان . ومجاهدة النفس .

وهناك الجهاد بالسيف , أو بالقوة المادية التي تتطلبها طبيعة الحرب ومتغيرات

العصر.وهذا النوع من الجهاد لم يأذن به الله إلا بعد عشرات من السنين اعتمد فيها المسلمون على المسالمة , وتحملوا مالا يطيقه بشر من التعذيب والإبذاء والمضايقات . وقد جاء هذا الإذن في قوله تعالى ” أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرههم لقدير….” (الحج 39). وهناك الجهاد بالمال. وهو من أهم وأخطر أنواعها , وذلك للتكاليف الباهظة التي تحتاجها الجيوش والشعوب أثناء الحروب , وقبلها , وبعدها .

ومن أعجب أنواع الجهاد وأعمرها بالطوابع الإنسانية نجده في قوله تعالى ” فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا” – الفرقان52 . مع ملاحظة أن الضمير في (به) عائد على القرآن الكريم , ففي الآية أمربأن يبذل النبي- صلى الله عليه وسلم – غاية جهده حتى تهيمن قائمة القيم الإسلامية على سلوكيات الكفار وأخلاقهم.

* * * * * * * * * *

وفي وقتنا الحاضر – وقد نهبت أرضنا , وسلب مسرى رسولنا – أصبح أوجب الواجبات علينا – نحن العرب والمسلمين – أن نجند كل شيء , وأن نضحي بأغلي ما نملك , وأن نربي أبناءنا على عقيدة الجهاد وثقافته حتى نحقق – بإذن الله – النصر المؤزر المبين.

Print Friendly, PDF & Email
مقالات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

img
القائمة البريدية
img