img
محمود تيمور وتيسير اللغة العربية
img
Print pagePDF pageEmail page

محمود تيمور وتيسير اللغة العربية

 في كتابه القيم “مشكلات اللغة العربية” يدعو محمود تيمور إلى خدمة اللغة العربية، والنهوض بها، ونشرها، ولن يكون ذلك ـ من وجهة نظره ـ إلا بأمور أربعة هي:

1 ـ تزويد اللغة.

2 ـ تبسيط اللغة.

3 ـ تيسير النحو.

4 ـ تعميم الضبط.

   ولتزويد اللغة: يطرح تيمور وسائل متعددة في هيئة أسئلة:

ـ هل نلجأ إلى التعريب: فأوتومبيل نجعله “تمبيل” والترامواي. نجعله “ترام” والسينما توغراف تكون “السينما”(1).؟

ـ أم نؤثر اللفظ العربي إما بالاشتقاق من المواد اللغوية العربية، وإما بإحياء الألفاظ التي نلمح الملابسة بينها وبين المعاني الجديدة: كالسيارة للأوتومبيل، والقطار: للبابور؟(2).

ـ ويعرض تيمور الخلاف بين العلماء في قبول المولد الشائع على ألسنة الناس، مثل: البلاص، والدوار، والحلة، والطرحة.

   ولا يرجح تيمور اتجاهًا من هذه الاتجاهات، بل يرى أن الوجه المفضل “أن نتوسط في الأمر، وأن يكون موقفنا في مسألة المعرب والمولد موقف مرونة وموازنة، وتقدير لملابسات كل لفظ، ومدى الحاجة إليه، فلنشتق، ولنستضف من العامية، ولنستحي القديم من الألفاظ، ولنعرب الأجنبي متوخين في كل ذلك الحكمة، وحري بنا أن ندع ذلك للهيئة اللغوية المشرفة، على أن تراعي سهولة الألفاظ، وموسيقية الحروف، وخفة الصيغ على السمع(3).كما يجب عرض الألفاظ الجديدة عرضًا كافيًا لإشاعتها(4).

*  *  *

   ويدعو تيمور إلى تبسيط اللغة بما يأتي:

1 ـ الاقتصار في الألفاظ الكتابية على المألوف المأنوس، بعيدًا عن المهجور والوحشي.

2 ـ تحديد معاني الألفاظ تحديدًا منطقيًا، فلا نسرف في اصطناع المترادف الذي يجعل الألفاظ غير مفصلة على قدود المعاني(5).

   ويرفض تيمور الدعوى إلى التبسيط اللغوي بإنشاء لغة مختزلة ذات ألفاظ محدودة، لا تتجاوز بضع مئات، مع تأديتها لجميع المعاني، وذلك محاكاة للغة الإنجليزية المسماة (البيسك)(6).لأن مثل هذه اللغة لا يمكن أن يكتب لها النجاح، وذلك للأسباب الآتية:

(1) أن المتعلم لها لا يستطيع أن يستعمل سوى ألفاظها، ولا أن يفهم غيرها، فإذا قرأ لا بد أن يقرأ المكتوب بهذه اللغة وحدها، وبذلك لا تكون له صلة باللغة الأصلية، ولا بما تنتجه عامة أدبائها وعلمائها.

(2) والألفاظ لقلتها تؤدي معاني كثيرة، فيتذبذب اللفظ بين أشتات المعاني، وهذا ما يناهضه مصلحو اللغات في الأمم.

(3) وهذه اللغة لا تصلح للأدب والشعر؛ لأنهما يتطلبان موسيقية لفظية، ويقتضيان إيثار تعبير على تعبير.

(4) وهي لا تصلح كذلك لبعض العلوم والفنون التي تستلزم دقة في البيان، لا تتيسر مع قلة الألفاظ وضغطها(7).

*  *  *

   ويدعو تيمور إلى تيسير النحو “بتصفية القواعد الكثيرة وغربلتها، فما كان منها جوهريًا أبقيناه، وحذف ما لا يلائم التطور العصري للغة”(8).

   ونحن مع الأستاذ تيمور فيما ذهب إليه في مسألتي تزويد اللغة وتبسيطها، ولكنا نرى مسألة تيسير النحو أعقد مما تصوره بكثير؛ لأن تعقد المشكلة تبدأ أساسًا ـ لا من قواعده ـ ولكن من تدريس قواعده، واعتبار النحو غاية، لا وسيلة، وقد عرض أستاذنا عبد العليم إبراهيم خطة لهذا التيسير تتعلق بالمنهج، والكتاب وطريقة التدريس والاختبارات والتمرينات، وأهم الخطوط الرئيسية لهذه الخطة:

(أ) في المنهج:

1 ـ الاقتصار على الأبواب التي لها صلة بصحة الضبط، بعيدًا عن الصور الفرضية في التصغير والنسب، وإعراب لا سيما. وكذلك يتجه إلى النواحي العملية في تدريس الصرف.

2 ـ التدرج في عرض أبواب القواعد على أن يكون ذلك في وحدات متكاملة، تشمل كل وحدة عدة أبواب متجانسة أو متحدة الغاية.

(ب) في الكتاب:

1 ـ مسايرته للمنهج في اتجاهه وروحه.

2 ـ اتخاذ اللغة الحية، والنصوص الفنية الرائعة أساسًا لدراسة القواعد، والتطبيق عليها، بعيدًا عن الأمثلة المبتورة الجافة.

(ج) في الطريقة:

1 ـ مناقشة الأمثلة من الناحية المعنوية قبل مناقشة دلالتها النحوية.

2 ـ التركيز على الانتفاع بالقواعد في الضبط، لا حفظ الأحكام النحوية.

3ـ تجنب الطريقة الجدولية المعقدة التي تحول درس القواعد النحوية إلى درس شبيه بالقواعد الرياضية.

(د) في الاختبارات والتمرينات:

1 ـ مراعاة، ومتابعة مدى انتفاع التلاميذ بالقواعد في تأليف الجمل وضبطها ضبطًا صحيحًا.

2 ـ ترك المطالبة بتكوين جمل تثقلها القيود والشروط.

3 ـ ترك المطالبة بذكر الأنواع والتقاسيم، والتعاريف، ونص القواعد(9).

*  *  *

   ويرى تيمور ضرورة ضبط الكلمات بالشكل، ويرى ضرورة التفكير في طريقة أسهل لضبط الكلمات، وحتى نتمكن من ذلك “لا بد أن نبدأ باستعمال الشكل في حالته الراهنة، فنعممه في جميع الكتب التي تتدارسها دور التعليم في المكاتب الصغيرة، إلى المعاهد العالية، لا فرق في ذلك بين كتاب جغرافي أو رياضي أو نحوي، وحين يبدأ التلميذ حياته العلمية على هذا النحو، ويمضي في ذلك أثناء تنقله في درجات التعليم، لا يشب إلا قارئًا مطبوعًا على الصحة والصواب، فتصبح هذه الخطوة أولى خطوات تعميم الشكل، وضبط اللغة، وتقريب نشرها بين أهليها، ولا سيما إذا تبع ذلك التوفيق في ابتكار علامات يسهل على أيدي العمال استخدامها في جميع الحروف، كما يسهل على أقلام الكتاب استخدامها فيما تجري به الأقلام”(10).

   ودعوة تيمور هذه من قبيل تحصيل الحاصل فهو يدعو إلى الالتزام الكامل بضبط الكلمات من أول المراحل التعليمية إلى نهايتها، وأعتقد أن الدعوة بهذا الإطلاق تغفل قيمة الفوارق بين مراحل التعليم المختلفة، واختلاف قدرة التعرف والاستيعاب عند الطلاب من مرحلة إلى أخرى.

   وربما كان الحل المعقول هو التدرج، فيكون ضبط بنية الكلمة كاملاً في المرحلة الأولى، ويبدأ التخفف التدريجي من الضبط، فيكتفي بضبط أواخر الكلمات في المرحلة الثانوية (بالنسبة للكتب المقررة). وبعد ذلك لا داعي للضبط إلا في حالة الضرورة، إذا ترتب على عدم الضبط إبهام، أو لبس، أو تداخل في المعنى، كما أن تعميم الضبط بصورته الكاملة بصرف النظر عن مستوى القراء سيعطل، بل سيوقف قدرة الفهم بلا ضبط.. تلك القدرة التي يكتسبها القارئ بطول الدربة والمعاناة مع الكلمات غير المضبوطة.

*  *  *

   ولكن لتيمور دعوة لتسهيل الكتابة العربية جديرة بالتقدير والإعجاب؛ لأنها دعوة عملية منتجة، وهي دعوته سنة 1961م إلى اختصار حروف العربية إلى الشكل الواحد، وبذلك نكون خفضنا عيون صندوق الطباعة من قرابة ثلاثمائة خانة إلى قرابة ثلاثين فقط(11): فحرفالعين مثلاً: له الأشكال الآتية طباعيًا:

عـ (العين الأولى) ـعـ (العين المتوسطة) ـع (العين المنتهية بعد حرف متصل) ع (العين المنتهية بعد حرف منفصل) فالعين ترد بالأشكال الأربعة في الكلمات الأربع الآتية:

عمل. بعد. طمع. طماع.

   فتأسيسًا على اقتراح محمود تيمور تكتب الكلمات الأربع كما يأتي:

عمل ـ بـ عد. طمـ عـ. طماعـ.

وبذلك تكون حروف الكتابة بالصورة الآتية:

أ بـ تـ ثـ جـ حـ خـ د ذ ر ز ش سـ شـ صـ ضـ طـ ظـ عـ غـ فـ قـ كـ لـ مـ نـ هـ ة و لا يـ.

   ويلخص تيمور المزايا التي تتحقق بطريقته هذه فيما يأتي:

1 ـ أنها تنفي شبهة القطع بين القديم والجديد.

2 ـ أن الحروف ستكون واضحة لا خفاء فيها، فهي غير مركبة بل مبسوطة.

3 ـ أن علامات الشكل ستقع على الحروف بأعيانها، تأخذها الأنظار باللمح، فلا تترجح العلامات بين الحروف المركبة في الكلمة الواحدة.

4 ـ أن اتخاذ صورة واحدة للحروف في جميع مواقعها من الكلمات أولاً، ووسطًا وآخرًا، سيجعل تعليمها أيسر مئونة.

5 ـ تخفيف العبء على المطبعة وعمالها بسبب تقليل عدد عيون الصندوق، وسهولة اجتلاب حركات الضبط.

6 ـ لا خوف من ازدياد استهلاك الورق بسبب هذه الحروف المبسوطة؛ لأن الكلمات في صورتها الجديدة ستكون ذات أفق أقل انخافضًا من الأفق الذي تقتضيه الكلمات المركبة الحروف، فتزداد السطور في الصحيفة ازديادًا يعوضها مما يستلزمه انبساط الحروف من اتساع الحيز(12).

وقد أجاز المجمع مشروع محمود تيمور إلا أنه لم يخرج حتى الآن إلى حيز التنفيذ(13).

*  *  *

   والحقيقة أن هذه الدعوة ـ كما أشرنا من قبل ـ دعوة عملية واقعية نافعة، والأخذ بها كان سيسدي خدمة جليلة للغة العربية، مع الحفاظ على التراث، فالذي يتعلم بالطريقة الجديدة، لن يعجزه قراءة التراث القديم.

ومع تعدد المزايا التي تتسم بها هذه الطريقة فإن الذي يدعو حقًا إلى العجب ألا تخرج إلى حيز الواقع حتى الآن.

*  *  *

   كان محمود تيمور بهذه الدعوة أو الدعوات صادق النية، صادق الحرص على خدمة اللغة العربية، ولكن ظهرت على الساحة العربية ـ في مصر ولبنان بخاصة ـ دعوات تعتمد على ادعاءات ـ وهي تحمل معاول الهدم لتدمير اللغة العربية وتخريبها.

               

المراجع والتعليقات:

* محمود تيمور (1894م ـ 1973م) هو ابن: أحمد باشا تيمور عميد العائلة التيمورية وهي عائلة معروفة في مجال الفكر والأدب، ومن مشاهيرها أخوة “محمد” وعمته عائشة التيمورية، مات في لوزان بسويسرا، ودفن بالقاهرة.

بدأ كتابه القصة سنة 1919م بالعامية المصرية، ثم تقدم في لغته حتى أصبح من حملة لواء الفصحى، ونال عضوية مجمع اللغة العربية بالقاهرة سنة 1949م.

له بحوث طيبة جدًّا في اللغة والمسرح، وكتب الرواية والقصة القصيرة، وترجم كثير من أعماله إلى الإنجليزية والفرنسية، والألمانية، والإيطالية، والروسية، وحضر مؤتمرات عالمية كثيرة في باكستان، وسوريا، ولبنان وغيرها.

من أشهر أعماله: سلوي في مهب الريح ـ نداء المجهول ـ شمس وليل ـ صقر قريش ـ عطر ودخان ـ قال الراوي ـ دنيا جديدة. وأسلوبه يتسم بالتدفق والوضوح.

(1) محمود تيمور: مشكلات اللغة العربية 11.

(2) السابق الصفحة نفسها.

(3) السابق الصفحة نفسها.

(4) السابق 13.

(5) السابق 15.

(6) السابق: الصفحة نفسها.

(7) انظر السابق: الصفحة نفسها.

(8) السابق 16.

(9) انظر عبد العليم إبراهيم: الموجه الفني لمدرسي اللغة العربية 209 ـ 212.

(10) تيمور السابق 20 . في سنة 1944 اقترح على الجارم استعمال شكلات جديدة للدلالة على الحركات، تكون متصلة بالكلمات ذاتها، والذي ينظر إلى هذه الشكلات يؤمن بأن الجارم خرج من البسيط إلى المعقد. وكان العقاد على حق حين سماها بالزعانف. كما أنه سيجعل الكلمة العربية ذات بنية جديدة تكاد تكون مقطوعة الصلة بالبنية القديمة [انظر نفوسه زكريا: تاريخ الدعوة إلى العامية 221 ـ 222].

(11) تيمور السابق 73.

(12) انظر تيمور السابق 66 ـ 68.

(13) نفوسه: مرجع سابق 222.

Print Friendly, PDF & Email
مقالات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

img
القائمة البريدية
img