img
لماذا انحنيت ؟
img
Print pagePDF pageEmail page

لماذا انحنيت ؟

من وراء الغيب المجهول صاح طيف الأب المقبور، يتحدث إلى ابنه الذي أهدر تركةَ أبيه، وأرضه ووطنه ، ونقَضَ وصيتَه.

أَلـمْ أُوصِـكَ الأمْسَ قَبْلَ الممَاتِ
وَفِـيـهَـا  كَتبْتُ: “تَزُولُ الجِبَالُ
وَفِـيـهَا  “سَتَعْصفُ هُوجُ الرِّيَاحِ
وَفِـيـهَـا “سَـيـمتدُّ لَيلُ الأسَى
وَفِـيـهَـا “يَـكُونُ جَفَافٌ وَجُوعٌ
وَفِـيـهَـا “انتَصِرْ بِالثباتِ العَتِيِّ
وَقُـلْـتُ  تَجَنَّبْ مَخَازِيَ الطّرِيقِ
وعَـانـقْـتَ  فيه الأفاعي الكبارَ
رأيـناك  في “الشرم” بئس الذليل
فَـأيـن وصـاةُ أبِـيـكَ الَّـذي
وكَـمْ سـهـرَ الليلَ يَحمِي حِماكَ
ويَـحـمـلُ  عـنْكَ هُمومَ الحَياةِ
عَـصـيتَ  وَصَاتِي التي صُغْتُها
وكُـنْـتُ  أَظُـنُّـكَ نعمَ الوريثُ
فـبـعْتَ  جَوادِي الأصيلَ الكريمَ
وشـعـرِي بـعْتَ، ونخْلِي بعْتَ
وبـعْـتَ سـريـرِي الذي فوقَهُ
لـلـصٍّ  بَـغِـيٍّ، عُـتُلٍ، زَنِيمٍ
لِـتَـلْـثَـمَ نـعْـلـيـه في ذِلَّةٍ
فـكـيـفَ تَـبيعُ التراثَ العزيزَ
وتـاجٍ مـن الشوكِ يُدمي الجبينَ
وعـرشٍ  حـقـيـرٍ، لـهُ لمْعةٌ
ولـمْ تـدْرِ أنَّـكَ حـين اعتليْتْ
وفـي  موكبِ الذُلِّ صرْتَ الأميرَ
فـلا  تـمْـلـكُ الأمـرَ إمَّا تَشَا
وتـصـدعُ  بـالأمـرِ إمّا أُمِرْتَ
فـلـمَّـا  سـكرْتَ بخمر الخِداعِ
غـدوْتَ لـغـيـرِكَ أضـحوكةً
وقـلْـنَـا  “اكتفيْتَ بما قدْ جَمعْتَ
فـعـن  قـوسِ أعدائنا قد رَمَيْتَ
بـسـهـمـكَ  خـرَّ عزيزٌ أَبِيُّ
أتـحـمِـي  حـياةَ العدوِّ العقورِ
أأبـكِـي عـلـيكَ؟ أأبكِي إليكَ؟
فـفـي  غـدِكَ المُستباحِ الجريحِ
ويـرتـدُّ سـهـمُـك في مُقلتيكَ
فـلـيـس  لما قدْ كسرْتَ انجبارٌ
وتُـدْركُ  – بـعـدَ فواتِ الأوانِ
ومَـا  دُمْتَ قدْ بعْتَ حتَّى الحُطامَ
فـإنِّـي  أخـشـي غدًا أنْ تبيعَ
فَـأيْـنَ  وَصَاتِي الَّتِي مَا وَعَيْتْ؟
ولا  تَـنْـحـنِي أَبَدًا” . فَانْحَنَيْتْ
فَـكُـنْ قِـمَةً صُلْبَةً . ” فَانْحَنَيْتْ
فَـلا تَـبْتَئِسْ بالأسى” . فَانْحَنَيْتْ
فَـمُتْ بِالطَّوَى شَامِخًا” . فَانْحَنَيْتْ
وَبِـالـصَّبْرِ فِي عِزَةٍ” . فَانْحَنَيْتْ
. ولـكنْ لخزي “الطريقِ” انتَهَيْتْ
ومِـن سُمِّها – يا غبيُّ – ارتويْتْ
تنازلت – في خسة – ما ارعويت
إلـى  دفْء مُـهـجتهِ قدْ أَوَيْتْ؟
وَيـبـكِـي دمـاءً إذَا مـا بَكَيْتْ
ويَـرْعَـى الـذي بعدَهُ مَا رَعَيْتْ
بـدمِّـي، ولـلـمُخزياتِ مشيْتْ
فـكـيفَ  تَبيعُ الذي مَا اشتريْتْ؟
وأُمًّـا، وأُخْـتًـا، وأَرْضًا، وبَيْتْ
وسيْفِي،  ورُمْحِي، وسرْج الكُمَيْتْ
وُلـدْتَ،  وكمْ نمْتَ حتى اسْتَوَيْتْ
عـلى قدميه – خَسئْتَ – ارتميْتْ
وتَـلْـعَـقَ طِينهمَا.. مَا استَحَيتْ
بـكِـسْـرَةِ خبزٍ، ونقطةِ زَيتْ؟!
ووعـدٍ كذوبٍ، و”كِيْتٍ، وكيْتْ”؟!
مـن الـبهرجاتِ.. إليهِ ارتقيْتْ؟
هَـبـطْـتَ بمَا أنْتَ فيهِ اعتليْتْ
ذلـيـلاً، كـسيحَ المسارِ، مشيْتْ
ولا  الـنـهـيَ تـملكُ إمَّا نويْتْ
ويـنـفـذُ  أمْـرُ العِدا إن نهيْتْ
ومـالـتْ  بكَ الخمرُ لما انتشيْتْ
فـليسَ  سوى الخُسْرِ ما قدْ جَنيْتْ
مِـن  الـعَـارِ”، لكنما ما اكتفيْتْ
فـواحـسرتاهُ  على من رَمَيْتْ!!
بـجـمـرِكَ قلبًا طهورًا.. كَوَيْتْ
وأيـضًـا تُراثِي لهم قدْ حميْتْ؟!
أأبـكِـي عـلـينَا لِمَا قدْ جَنيْتْ؟
سـتـصرخُ  “ياليتني ما انحنيْتْ”
ولـن يُـنـقذَ البيتَ آلاف “لَيْتْ”
بـمـا قد جررْتَ، وما قدْ غويْتْ
بـأنـكَ لـمَّـا انْحَنَيْتَ.. انْتَهَيْتْ
ولـم  تُـبْـقِ أُمًّا، وأرضًا وبيْتْ
عِـظَـامِـي،  وقبرًا بِهِ قدْ ثويْتْ
Print Friendly, PDF & Email
أشعار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

img
القائمة البريدية
img