img
في ذكرى الأديب الكبير الدكتور جابر قميحة “رحمه الله”
img
Print pagePDF pageEmail page

في ذكرى الأديب الكبير الدكتور جابر قميحة “رحمه الله”

بقلم/ بدر محمد بدر

أكرمني الله سبحانه بالقرب من ثلة رائعة، من الأعلام والنجوم الزاهرة في سماء الدعوة إلى الله، كانت لها ـ ولاتزال ـ بصمات بارزة في حياتي، بل وفي حياة أجيال عديدة من أبناء الأمة، ومن بينهم الأديب والعالم والداعية والأستاذ والمفكر والشاعر الكبير الدكتور جابر قميحة، رحمه الله رحمة واسعة وتقبل جهاده وصبره وعطاءه.
تعرفت على الأديب الكبير عندما كان يكتب بعض المقالات الثقافية والأدبية، وبعض قصائد الشعر في مجلة “المجتمع” الغرٌاء في تسعينيات القرن الماضي، بينما كنت أنا مراسلها في مصر، وتولى أخي وصديقي الإعلامي الكبير أحمد منصور، عندما كان مديراً لتحرير “المجتمع” (91 ـ 1997) مهمة تعريفي واتصالي بالشاعر والأديب الكبير، الذي كان يعمل حينها أستاذاً للغة العربية وآدابها بجامعة البترول والمعادن في مدينة الظهران بالمملكة العربية السعودية، وبدأت أتابع باهتمام وتقدير مقالاته وقصائده الرائعة، ثم تواصل الود بيننا أكثر عندما استقر به المقام في القاهرة، في أواخر التسعينيات من القرن الماضي. 
وعندما توليت إدارة تحرير جريدة “آفاق عربية” (يونيو 2000: نوفمبر 2004) تعمقت علاقتي أكثر بالمفكر الكبير، بعد أن انضم إلى قائمة الكتاب الدائمين في الجريدة، فزادها ثقلاً أدبياً، ووزنا مهنياً، وعمقاً فكرياً، وثراءً معرفياً، وشكلت مقالاته مع الدكتور محمود جامع ود. سعيد إسماعيل علي ـ مد الله في عمريهما ـ ود. عبد العظيم المطعني ود. أحمد المجدوب ـ رحمهما الله رحمة واسعة ـ وغيرهم، نقلة نوعية كبيرة إلى الأمام في المستوى العام للجريدة وفي أعداد جمهورها العام. 
والذين عرفوا الدكتور جابر قميحة عن قرب، من المؤكد أنهم لاحظوا الكثير من الصفات والمواهب التي حباه الله بها، ويندر أن تجتمع في شخص واحد، فقد كان (رحمه الله) شديد الود، شديد التواضع، صاحب بديهة حاضرة، ودعابة محببة، وفكاهة لاذعة.. يبهر سامعه بكثرة معارفه: في الأدب والفن والثقافة والحضارة والتاريخ والدعوة والسياسة، وله رؤية عميقة في التحليل النفسي الإنساني والوجداني، ولا يشبع المرء من حديثه وحكايته مهما طال الوقت، فهو كالبحر الزاخر في كل علم وفن، يقدم لك الجديد والمفيد من قراءاته واستنتاجاته وخبراته في الحياة، في عبارات جادة حيناً، وساخرة ضاحكة في أحيان أخرى، حتى يطرد الملل والرتابة من الحديث، ولديه قدرة عجيبة على الوصول إلى عمق النفس الإنسانية، فيتعامل معها تعامل الطبيب الحاذق، والمربي الواعي، والصديق المخلص، والأستاذ المعلم، والأب الحاني. 
تعامل معي (رحمه الله) كأحد أبنائه الأثيرين.. يسأل عني دائماً، ويحادثني هاتفيا باتصال شبه يومي، مملوء بالود الجميل، والدعابة المرحة، والحكاية الهادفة، ويسعى بكل ما يملك من أخوة صادقة، ومشاعر أبوية، وإحساس مرهف بالآخرين، إلى التخفيف عني من الضغوط التي كنت أتعرض لها، أثناء إدارتي للتحرير في “آفاق عربية” وبعدها، فكنت أنتظر اتصاله وسؤاله عني، ليزول ما بي من ضغوط ومتاعب، وأشعر من حديثه وتواضعه أنه قريب من نفسي، كأنه يعيش معي لحظة بلحظة، فأتشجع وأتصبر أكثر على ما ألاقي من متاعب وهموم. 
كانت مقالاته الأسبوعية في جريدة “آفاق عربية” تجمع بين القوة والحماسة والرصانة، وفي نفس الوقت ملاحقة الأحداث الجارية، في إطار من التربية الثقافية والسياسية والوجدانية، التي تصل إلى القارئ بوضوح، وكنت ألمس بأن كاتبها يجمع بين حكمة الشيوخ، وحماسة الشباب، وبراعة الأديب، وموسوعية المفكر، بل ومهارة الصحفي المخضرم، الذي يهتم بالعنوان الشيق الجذاب، وسهولة العبارة وعدم الإطالة حتى لا يمل القارئ، وإذا استشكل علٌي شئ من مقالته، أو خشيت أن تسبب لنا متاعب أمنية، وقد كان الكثيرون يترصدون لنا، اتصلت به وأخبرته بما عندي من ملاحظة، فيشرح رأيه بتواضع جميل، ويترك لي في النهاية الحرية الكاملة لتعديل ما أرى، وكان هذا من فيض كرمه وفضله أيضاً.
ورغم غياب “آفاق عربية” منذ نهاية فبراير 2006 فإنها لم تغب عن باله قط، ولم يتوقف عن السؤال عنها وعن صحفييها وكتابها، وعن موقعها على الإنترنت وإمكانية عودتها مجددا، رد الله غيبتها.
وظل على اتصال دائم بي حتى دخل إلى إحدى مستشفيات القاهرة، وصباح الجمعة 9/11/2012 صعدت روحه إلى السماء وصلى عليه صلاة الجنازة جمع كبير من رواد صلاة الجمعة في مسجد صلاح الدين بالمنيل ..
رحم الله العالم الجليل وتقبله في الصالحين وعوض الأمة فيه خيرا.

Print Friendly, PDF & Email
قالوا عن د. جابر قميحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

img
القائمة البريدية
img