img
سبعون عاما في حضن اللغة العريبة الحلقة 26
img
Print pagePDF pageEmail page

سبعون عاما في حضن اللغة العريبة

الحلقة السادسة والعشرون

اللقاء الثاني مع التوجيه الفني

هو امتداد لعملي السابق ، ولكن الذي تغير هو الإدارات والمدارس التى أوجهها ، فأصبحت مسئولا عن بعض مدارس بندر الجيزة ومنها :

1- مدرسة  الأهرام الإعدادية للبنات.  

2- مدرسة جيهان السادات الإعدادية للبنات .                    

3- مدرسة ليسيه الحرية بالهرم .     

4- مدرسة الحليمية الإعدادية للبنين بالهرم .   

5- مدرسة الحرية الإعدادية الثانوية المختلطة بجنوب الجيزة  .                            

6- مدرسة التربية الإعدادية الثانوية المختلطة بجنوب الجيزة  .                          

7- مدرسة جمال عبد الناصر الإعدادية الثانوية للبنات بالجيزة  .        

   

                                                      *********

         والموجهون الأوائل الذين كانوا على قمة التنظيم الإداري هم :

الأستاذ سالم عمارة  ، والأستاذ عبد المقصود زيدان ، والأستاذ سيد قريطم ، وكلهم يتسمون بالنشاط الدفاق والحرص على العمل . وهناك اثنان من زملائي أعتز بهما اعتزازا لا مزيد عليه هما : الزميل الموجه الأستاذ محمد الفاتح الحسيني ، والثاني الأخ أحمد فوده العضو الفني في إدارة جنوب الجيزة التعليمية أي الإداري الذي يقوم بالمهام الإدارية والتنظيمية  للمكتب . ومن الموجهين الطيبين الأستاذ عبد الرحمن هريدي . ولم تخل الساحة من موجه مشاغب مشاكس ، ينقم على كل زميل موفق في حياته وعمله ، ويسيطر عليه حب الذات إلى درجة ” التوثن ” ، فلا يتحدث إلا بـ ” أنا ” …. ” أنا ” ، أما الآخرون فحقهم عنده مهضوم .   

         أقبلت على عمل في هذه المدارس إقبالا حماسيا ، ولثقة الموجهين الأوائل فيَّ وفي زميلي الأستاذ محمد الفاتح أشركانا معهم في الأعمال الرئيسية لإداراة بندر الجيزة : كتوزيع المعلمين على المدارس المختلفة ، وإبداء المشورة في القرارات التى يتخذونها ، وذلك قبل إعلانها .

          كان المستوى العلمي للمدرسين أفضل ممن رأيت سابقا ، وكان منهم فائقون أشهد لهم بالتمكن اللغوي ، والنجاح في طريقة التدريس ، ومن هؤلاء الأستاذ الشاعر محمد يونس ، والأستاذ محمد البدري . والسيدة أمنية السركي .

                                                      *********

          في توجيه المعلمين اتبعت المنهج الذي كنت آخذ نفسي به في المدارس السابقة ، وبمرور الأيام رأيت ثمارا طيبة نتيجة لهذا التوجيه .

          وهناك أمور واجهتني وواجهتها في هذه الفترة ، منها :

  • أنني كلفت بالإشراف على امتحان إحدى المدارس الإعدادية للبنات في امبابة ، وقبل الامتحان بيوم توجهت أنا والإداريون المنتدبون إلى المدرسة لإعداد اللجنة ، وبعد انتهاء اليوم رأيت ناظر المدرسة يصر على أن نتناول الغداء في بيته ، فشكرته ورفضت ، قال الناظر :

     ــ أرجو أنك متكسرش بخطري ، دحنا دبحين مخصوص عشان جابر بيه .                        

      ( وعلمت أن هذه طريقة هذا الناظر لكسب مسئولي الامتحان لمصلحة 

       مدرسته ) .

      وكلما ألح في الرجاء ألححت أنا ومن معي في الشكر والرفض .

      وفي أول أيام الامتحان طلبت من الملاحظين والمراقبين جميعا أن يكونوا      

     جادين في أداء مهمتهم . والحمد لله رب العالمين سارت الأمور على خير ما   

       أرجو وأدعو ، فالحق أحق أن يتبع . وعلمت أن المدرسة كانت نتيجتها في  

      هذا الامتحان 13 %  .  ( وهي أحط نسبة هبطت إليها المدرسة )  .

  • وكنت حريصا على ألا أنتدب للإشراف على لجنة من لجان الثانوية العامة التى بدأت هذا العام في  11 / 6 /  1977  ، وكانت اللغة العربية هي المادة الأولى بورقتيها ولعل من المآخذ التى يمكن تسجيلها على الامتحان بعد قراءتي السريعة له :                                                                                       
  • أ- أحد موضوعات التعبير عن الشباب ، وهو موضوع جاء ضمن موضوعات امتحان العام الماضي ، أو الذي سبقه . كما أن من مقررات هذا العام في القراءة موضوع بعنوان ” شباب العرب وشباب العالم ” ، ومن ثم سيكتب أغلب الطلاب في هذا الموضوع ، وكتاباتهم ستكون ملخصات ومقتطعات من موضوع القراءة .                                                                              
  • ب –  أسئلة النحو أغلبها من ربع المنهج الأخير .                                     
  • ج –  أبيات البلاغة لا بلاغة ، ولا جمال فيها .  ومن غرائب الأسئلة الجزئية : ” … وما القيمة الفنية للأفكار ” ، وهو تعبير لم يتعوده الطلاب ، ولم يسمعوا به ؛ فالفكرة قيمة إنسانية أو اجتماعية أو نفسية ، وليست قيمة جمالية .                                                                                          
  • د –  أغفلت أسئلة القراءة الموضوعات الجليلة مثل : علم السلام ــ التكامل الاقتصادي ــ القومية العربية والمنزع الإنساني . وهي من أرقى الموضوعات المقررة . وحصرت الأسئلة في موضوعين أقل مستوى هما : الحسن بن الهيثم ، والبنفسجة الطموح .                                                                 وأقول : أحمد الله سبحانه وتعالى ؛ لأني لم انتدب للملاحظة أو المراقبة في امتحان الثانوية العامة هذا العام ؛ لأني أعلم علم اليقين أن قيمي لا تتماشى أبدا مع ” غض النظر ” و ” تمشية الحال ” . فأنا حريص على أن يستقيم عملى بما يرضي الله ، ويرضي الضمير .
  • مشكلة الامتحانات في مصر بكل ذيولها وبكل رواسبها إنما هي أثر من آثار ” التمزق الخلقي ” الذي تعيشه الأمة في غيبة دينها …في عهد يعتقد الطلاب فيه أن الغش هو الأصل وهو حق لهم .  وإذا غاب الدين عن وعي أمة ووجدانها فلا تنتظر خيرا من حكامها وأبنائها ومعلميها ، فالكل في التمزق والضياع سواء . وصدق محمد لإقبال إذ قال :                                

                 إذا الإيمان ضاع فلا أمان  = ولا دنيا لمن لم يحي دينا  .

  • وأقول لكل موجه ، بل لكل من يتولى عملا عاما ، مادام يؤمن برسالته ، وارتباطها بالله … عليه أن يقدم على العمل الحاسم الذي يتفق مع هذه الرسالة ، ولا يخشى في الله لومة لائم . وبهذه المناسبة أعرض الموقف الأتي  :                                                              

ذهبت ــ عملا بخطة التوجيه ــ إلى إحدى مدارس البنات المشهورة بالجيزة . والمفروض أن كل من يقوم بالتدريس من الإناث ، ولكن المدرسة قد  تحتاج إلى جنس الرجال … إلى هنا لا ضير . ولكني فوجئت بأحد مدرسي اللغة العربية يلبس ” بنطلون جينز ” ، أنا أعجب حتى الأن كيف دخل فيه ؛ لأنه يفصل ــ بصورة حادة ــ كل صغيرة وكبيرة في نصفه الأسفل من جسده . بعد اجتماعي مع المدرسات والمدرسين جلست إليه وهمست في أذنه ــ حتى لا أجرح شعوره ــ  بأن هذا الزي لا يليق أن يظهر به رجل أو سيدة في مدرسة بنات ، فرأيت صاحبنا يعلي صوته في وقاحة ، ويسمع الجميع ” أنا حر … ألبس ما أشاء … دي حرية شخصية يا أستاذ ” .

فلم أرد عليه بكلمة وطلبت من ناظرة المدرسة الدفتر العام للمدرسة كلها ،  وشطبت اسمه من الجدول ، وكتبت في سجل الزيارات بعد أن رويت ما حدث بالتفصيل أن هذا المدرس لا يدخل المدرسة بعد اليوم ، وأنا مسئول عن ذلك . وعرضت الأمر على الموجه الأول سيد قرطام الذي عرضه بدوره على وكيل الوزارة ، وجاءت الموافقة حاسمة .     

  • وعلى المسئولين أن يجعلوا الترقية معتمدة على اختبارات جادة للمدرس الذي يريد الترقية إلى مدرس أول ، وللمدرس الأول يتقدم لوظيفة موجه . ولكننا للأسف نجد أن الترقية تعتمد على الأقدمية المطلقة ، بصرف النظر عن         ” التمكن اللغوي والعلمي ” . ومضار هذه الطريقة أنها قد تضع المرقى في مكان لا يستحقه . وبهذه المناسبة أذكر الواقعة الأتية :                                   توجهت إلى مدرسة بنات إعدادية مشهورة في منطقة الدقي ، وطلبت من المدرس الأول قائمة بالمدرسات اللائي سأزورهن في فصولهن ، وسلمني القائمة ، ووجدته قد كتب ــ ضمن المدرسات ــ اسم المدرسة ” نجوى … ” كتبها بالصورة التالية ” نجوا … ” . فلما نبهته لهذا الخطأ وجدته يرد في تبجح : ” ليه … هيّ نجوا … مش بنكتبها زي عزة  ؟ ” ، وطبعا نطقها وفي ذهنه ” عزا ” قلت له : أنا سأعتبر ما تقوله نوعا من ” الهزار ” ، لكن أنت في حاجة إلى أن تتلاقى دروسا في الإملاء يا فلان .
  • وإحدى مدارس البنين في بندر الجيزة يشغل ناظرها ومدرسوها أنفسهم ساعة الصباح في تفتيش الطلاب ومصادرة ما معهم من ” ولاعات ” ، ولكن ذلك لم يمنعهم من التدخين .

وتعود الطلاب دائما على القفز من سور المدرسة إلى الخارج ، بحيث لا يبقى في المدرسة أكثر من نصف طلابها .    

  • على الموجه أن يعيش نظيف اليد ، حي الضمير ، متقيا مواطن الشبهات ، ولا أنسى في هذا السياق أنني عدت من عملي فقابلني ابني ياسر ، وقال في فرح ” بابا المدرس فلان يقدم إليك هذه الهدية ” ، وشعرت بصدمة عنيفة ولطمت ابني الصغير لطمة قاسية ، وصرخت ” لماذا تقبلون هدية دون أن تستأذنوني … وأنتم تعلمون أنني لا أقبل هدايا ؟؟ ” . وفي صباح اليوم التالي توجهت إلى المدرسة التى يقوم المدرس بالتدريس فيها ونهرته ، وقلت له بالحرف الواحد  ” يا فلان لست أنا ممن يقبولون الهدايا ” . وأنا أعلم تماما أن هذا المدرس يريد أن ينقل إلى ” المدرسة السعيدية ” ، لأن ذلك يضمن له عدة مصالح ، ولا يهمه أن يكون ذلك على حساب رسالته كمعلم ، وهو يعلم أنني أشترك اشتراكا فعليا أنا وصديقي الأستاذ محمد الفاتح الحسيني في حركة توزيع المدرسين .

                                                          *********

         هذا وكنت أقوم بعملي موجها ، وأنا قانع مقتنع به ، أشعر بطمأنينة غامرة إذ أكتسب مزيدا من الخبرة ، وحب العدول من الموجهين والمدرسين والمدرسات ، وكثيرا ما انتدبت لإلقاء محاضرات في الدورات التدريبية التى تعقدها الوزارة .

         وأشير هنا إلى أن عملي بالتوجيه لم يصرفني عن مواصلة التحصيل للحصول على درجة الدكتوراة في الأدب والنقد . فالحمد لله استطعت أن أوفق توفيقا طيبا جدا بين العملين : العمل العام ، والعمل الخاص ، وهذا من فضل الله ، وبركات الإخلاص في أداء رسالتي  في سبيل الله ، وسبيل القيم الإنسانية ، وسبيل العلم . والحمد لله رب العالمين .

Print Friendly, PDF & Email
مقالات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

img
القائمة البريدية
img