img
سبعون عاما في حضن اللغة العريبة الحلقة 23
img
Print pagePDF pageEmail page

سبعون عاما في حضن اللغة العريبة

الحلقة الثالثة والعشرون

في جامعة الكويت

مع نيرون واللغة العربية

أحمد الله سبحانه وتعالى فقد حقق ما كنت أتطلع إليه ، وأحضرت ابتداء من العام الثاني أسرتي من القاهرة إلى الكويت ، ومنحتنا الدولة شقة طيبة في عمارة بمنطقة الشرق ، وهي منطقة قريبة من أسواق الكويت ، وتذكرنا بالأحياء الشعبية في القاهرة ، وانتصرنا على مشكلة المواصلات بشراء سيارة جديدة ( فولكس 71) وبدأ الشعور بالاستقرار والراحة النفسية في حياتنا .

     ثم كانت المفاجأة وهي أن أستاذنا الكبير عبد السلام هارون رئيس قسم اللغة العربية بجامعة الكويت أسعدني إذ استدعاني وكلفني بتدريس اللغة العربية والثقافة  الإسلامية للطلاب الأجانب ، خمس دروس ومحاضرات كل أسبوع.

    كان الطلاب من جنسيات مختلفة أغلبهم من أفريقيا وآسيا ، ومن عجب أن أراهم يحملون كتب الشهيد سيد قطب – رحمه الله – مترجمة إلى لغات بلادهم . سألت واحدا منهم :

   ــ  لماذا تحرصون على قراءة كتب سيد قطب ؟ فأجابني :

   ــ  لأننا نعتبره سادس الخلفاء الراشدين .

قلت بيني وبين نفسي : سبحان الله ، الإنسان يفنى جسما ورسما ، ويعيش فكرا وروحا وذكرى .

**********

   قمت بهذه المهمة مستعينا باللغة الإنجليزية ، وحاولت أن أجعل النماذج الشارحة لقاعدة من القواعد النحوية مأخوذة من القرآن الكريم والسنة النبوية، فهذا أقرب إلى نفوس الطلاب ، وقد كان الطلاب وخصوصا الأفارقة منهم متحمسين لدرس اللغة العربية والثقافة الإسلامية .

   وتشمل مادة الدراسة كذلك تقديم موجز لحياة بعض الصحابة ، وشرح موجز لأهم القيم الإسلامية .

   ووجودي في الجامعة ساعدني على الالتقاء الدائم بأستاذي المشرف على أطروحتي في الماجستير الدكتور عبد الهادي محبوبة ، وهو عراقي الجنسية ، وزوجته الشاعرة الأديبة نازك الاملائكة أستاذة في الجامعة نفسها .

   وكان موضوع الرسالة ــ كما ذكرت ــ في حلقة سابقة ( الشعر القصصي عند خليل مطران ) ، وكان الدافع لاختيار هذا الموضوع أمران هما :

   1 ـ اكتشافي أن مطولة نيرون لخليل مطران تتفق مع المنطق الإسلامي في مسئولية الشعب عن ظلم الحاكم .

   2 ـ اكتشافي أن لخليل مطران ما يزيد على خمسين قصة شعرية ، وقصيدة قصصية .

   هذه القصائد يمكن تصنيفها إلى :

   أ / القصة الشعرية : وهي تلك التي يتوفر لها ــ بقدر المستطاع ــ أركان القصة النثرية أو أغلبها .

   ب/ القصيدة القصصية : وهي التي تخف فيها الملامح القصصية

وملامح الحكاية . ويغلب عليها جانب الوصف والتصوير .

                            **********

   وخلصت في نهاية البحث إلى أن خليل مطران ” شاعر الأخلاق “ كما وصفناه بأنه شاعر القصة. والوصف النفسي لا يفترق عن ذاك الوصف الفني ، بل يلتقي معه ، أو إن شئت فقل : إن شاعر القصة كان صوتا مستجيبا لشاعر الأخلاق ، لأنه اتخذ من القصة الصورة المثلى التي تكثفت فيها قيمه وأفكاره ومثالياته.

   واختيار القصة لم يكن لأنها الثوب الفني الأمثل فحسب ، ولكن لأنها كانت الشكل الفني الوحيد الذي يوافق طبيعته النفسية في الحذر والمعاودة .

   والنزعة القصصية كانت نزعة أصيلة في حياته الأديبة يدل عليها إنتاجه القصصي الشعري المبكر ابتداء من سنة 1888 ، وترجماته عيون الشعر التمثيلي ، واحتضانه وتشجيعه الأعمال القصصية القيمة.

  وقد نمت هذه النزعة وتأصلت وخصوصا في النصف الأول من حياة مطران ، وهي السنوات التي أنتج فيها أكثر قصصه وأبرعها .

   وقد رددنا هذه النزعة إلى أسباب نفسية ذاتية ، وأسباب ثقافية ، وأسباب تتعلق بطبيعة العصر الذي عاش فيه الخليل .

   ومطران في شعره القصصي بصفة عامة ينطلق من المحدود إلى اللامحدود ، ويبدأ بالخاص لينتهي بالعام ، وهو دائما في قصصه يربط الخاص والمحدود بقضايا الإنسان في مشاعره وحياته ومكانه في الوجود ، سواء استغرقت هذه القصة تجربة ذاتية خاصة كـ ” حكاية عاشقين “ أو تناولت تاريخا معلوما كـ ” نيرون “ ، أو دارت حول شخصيات وأحداث مخترعة كـ ” اللبن والدم “ . فهو لا يحصر فكره أو ذاته في نطاق ضيق مخنوق ، حتى ما كان منها موغلا في الذاتية كـ ” حكاية عاشقين “ ، أو ذا طبيعة محلية كـ ” الجنين الشهيد “.

   فهو يضع أمامنا  في النهاية ثروة ضخمة وغنية من ” الفكر الإنساني الخالد ” ومصدر غنائه لا يرجع إلى ما فيه من إنسانية فحسب ، وإلا لتساوى في قيمته بما يرد مجردا في كتب الفلسفة والاجتماع والفقه السياسي . بل يرجع أساسا إلى ارتباطه بالشخصيات والوقائع النمطية التي لا نجد منها في أي عصر من العصور : فالملك الصيني القديم  الذي كان يرى أن أمته تأمن الغزو والانهيار بسور ضخم يبنى حولها ، وليكن فيها ما فيها من تمزق ونقائص ، هذا الملك ما زالت صورته تتجدد في الحكام الذين يرون الأمنة والقرار في حماية القهر والسلاح ، ولتذبح القيم، ولتنتحر المثل وطيب الأخلاق .

   ومن هنا يأتي جلال القيمة الموضوعية لهذا الشعر القصصي . أما مكان هذا الشعر من زاوية الفن فمصدره سمتان لا يمكن أن يخطئهما قاريء :

الأولى قدرة الوصف .

والثانية ملكة التشخيص .

**********

   وشاع فن مطران القصصي في معاصريه ، وتناوله النقاد بالتحليل والتقييم ، فقلده كثير من الشعراء ، وتناول شعره بالنقد والتحليل كثير من النقاد .

   وحتى تعم الفائدة أقدم للقراء والباحثين خطة الدراسة :

 

المقدمة                                                   1 ـ 9

مدخل وتمهيد : مفهوم الشعر القصصي ومكانه

في الشعر العربي القديم .                              10 ـ 35

                             الباب الأول

              سيرة الشاعر وبيئته ونزعته القصصية 36 ـ 116

 

الفصل الأول : السيرة                                    36

الفصل الثاني : مطران في عصره وبيئته             66

الفصل الثالث : نزعته القصصية:

            ظواهرها وعوامل نشأتها ونموها           90

**********

                     مضامين الشعر القصصي عند مطران

                    ( عرض وتحليل وتقييم )             117 ـ 239

 

تمهيد : تقسيم الشعر القصصي                        117

الفصل الأول : القصص التاريخي                      120

الفصل الثاني : قصص الحرية والوطنية             154

الفصل الثالث : القصص الاجتماعي                   167

الفصل الرابع :قصص الوجدان الذاتي                  187

الفصل الخامس : القصص الغرامي                    206

 الفصل السادس : التصوير القصصي                 221

**********

الباب الثالث

البناء الفني لشعر مطران القصصي 240 ـ 309

 

الفصل الأول: عناصر القصة الشعرية                 240

الفصل الثاني : الشخصيات                              252

الفصل الثالث : الأفكار والقيم (مطران من قصصه

الشعري )                                                   265

الفصل الرابع : اللغة والحوار                           295

**********

الباب الرابع

مطران والشعراء في شعرهم القصصي 210 ـ 379

الفصل الأول : بين مطران ومشاهير معاصريه      310

الفصل الثاني : على درب مطران                       339

**********

 

الخاتمة                                                       380

المصادر والمراجع                                         391

الفهرس                                                      404

**********

   وفي ليلة المناقشة كان المدرج في جامعة الكويت مكتظا بالحاضرين والحاضرات . وكانت لجنة المناقشة مكونة من :

الأستاذ الدكتور/ شوقي ضيف ــ الأستاذة الدكتورة / سهير القلماوي ــ أما المشرف فهو الأستاذ الدكتور عبد الهادي محبوبة .

   واستمرت المناقشة قرابة أربع ساعات ، وأخذتْ عليّ أ . د / سهير القلماوي أنني لم أعمق أثر بعلبك في شعر مطران بصفة عامة وشعره القصصي بصفة خاصة . وأخذ علي أ .د / شوقي ضيف انني لم أنظر إلى قصيدة ” شيخ أثينا ” كشعر قصصي ، مع أنها موغلة في القصصية .

   واهتمت الصحف بنقل وقائع المناقشة وبيان أهميتها ، وخصوصا مجلة ” الرائد ” التي كتبت عنوانا يشد النظر وهو : ” أربع ساعات بين العرق والابتسامات ” . ونالت الأطروحة التقدير الذي كنت أتطلع إليه ، وكانت الليلة ليلة فرح حقيقي عند أسرتي ، وأحبابي وأصدقائي، وجيراني . وتوافد كثيرون على مسكننا في منطقة الشرق لتقديم التهاني . والحمد لله رب العالمين .

 

Print Friendly, PDF & Email
مقالات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

img
القائمة البريدية
img