د. جابر قميحة .. المجاهد بالقلم واللسان
عبد الرحمن هاشم
اتصل بي يوم ظهر يوم السبت 3 نوفمبر وقال : “عبد الرحمن.. أنا أتصل بك فور خروجي من العناية المركزة.. لم يصلني بعد كتاب المستشار عبد الله العقيل “داعية الحب والوفاء ورجل البر والعطاء”، إذا لم تجد من يأتيني بالكتاب فأرجو أن تأتيني به أنت”.
ولم أدر أن هذه هي آخر مرة أسمع فيها صوته الجميل، ودعا لي في نهاية مكالمته، وعلى الفور أرسلت له الأخ حسين عثمان بـ 10 نسخ من كتاب ندوة تكريم المستشار عبد الله العقيل، وكان قد بذل معي مجهوداً كبيراً كي تخرج الندوة ومن بعدها الكتاب بالصورة المشرفة التي تليق بالداعية المستشار عبد الله العقيل.
وفي يوم الجمعة 9 نوفمبر 2012 الموافق 24 ذو الحجة 1433هـ وتحديداً وقت جلوسي منصتاً أمام الإمام وهو يخطب أتلقى رسالة عبر الهاتف من الأستاذة نور الهدى سعد، رئيسة تحرير مجلة الزهور، تقول فيها : ” أرجو إبلاغي بمكان وموعد عزاء د. جابر قميحة رحمه الله لأنني لن أستطيع حضور الصلاة عليه والبقاء لله “.. اقشعر جلدي وظللت أدعو الله له بالرحمة والمغفرة وحسن المثوبة والجزاء.
إنا لله وإنا إليه راجعون .. مات الرجل الذي عاش مجاهداً بقلمه .. ملتزماً في إبداعه .. رسالياً في أشعاره .. ثرياً في لغته.. وأتذكره الآن وهو يقول لي ذات يوم : ” تعرف يا عبد الرحمن .. أنا لو مت الآن سوف أموت بحسرتي.. فقلت: لماذا: فقال: لأن ورائي واجبات لم أتمها بعد وأرجو ألا يأتيني الأجل إلا وقد أتممتها”.
إن كل حرف سطره د. جابر قميحة يشهد بأنه قد أخذ على نفسه عهداً أمام الله بأن يظل سيف كلمته مشهراً في وجه الباطل والجور والزيف والتضليل، وأن يضن بموهبته وقريحته الغنية إلا على الكلمة الصادقة والفكر الملتزم والإبداع الرسالي.
نعم، فالدكتور جابر قميحة، ابن قرية المنزلة البار، وربيب دعوة الإخوان المسلمين المباركة، وقف حارساً يقظاً على ثغور لغة القرآن، يأبى امتهانها، ويرفض الجور على أصالتها.
ومن فرط صدقه في عشق اللغة العربية كان يتابعني فيما أكتب ويراجعني في الأخطاء اللغوية التي أقع فيها فعلمني كيف أحب لغتي وأفتخر بها وأجتهد في إتقانها.
توثقت صلتي به منذ ما يقرب من خمس سنوات وازدادت رسوخاً مع مرور الأيام وكان يحرص على الإطلالة في مجلة “الرسالة” بمقالاته وبخاصة في ملفاتها التي تحتاج إلى الكتاب المبدعين والذي يتصفح هذه المقالات يجدها مزيجاً متآلفاً متناغماً من بلاغة الأديب، وواقعية الفقيه، وحكمة الداعية، وأصالة المفكر.
وعندما اختار الأستاذ صلاح عبد المقصود رئيس تحرير مجلة الرسالة ـ وزير الإعلام الآن ـ وأسرة مركز الإعلام العربي الدكتور جابر قميحة لتكريمه في إطار مشروع ” رموز في دائرة الضوء ” شرفت بأن أكون منسقاً لندوة التكريم واقتربت أكثر وأكثر من شخصية أديبنا الكبير الذي سخر وقته وجهده لمساعدتي في التواصل مع الكتاب والمفكرين داخل مصر وخارجها كي يسهموا في إبراز جهود الدكتور جابر في خدمة الفكر والأدب والإبداع.
عقد حفل التكريم مساء الثلاثاء 13 أبريل 2010م بالقاعة الكبرى بنقابة الصحفيين تحت عنوان : ” الأستاذ الدكتور جابر قميحة .. نجم في سماء الفكر والأدب والإبداع “، حضره لفيف من الأدباء والدعاة والمفكرين والسياسيين.
وأتذكره الآن وهو يطيل النظر في وجوه الحاضرين ـ وهم مئات ـ ثم يخاطبهم بقوله : ” أشعر من أعماقي أنني أنظر في مرآة فأرى وجهي في وجه كل من حضر.. ومن عجائب الصدف أن يكون حفل تكريمي يوم 13 / 4 / 2010م، أما يوم ميلادي فهو 12 / 4 / 1934م. وبذلك عشت “ميلادين”: الميلاد الأول: هو الميلاد الحسي، بمعنى خروجي من بطن أمي على نور الحياة. والميلاد الثاني: هو الميلاد المعنوي، وذلك في التقائي بكم، فأشعر أنني قد ولدت من جديد “.
كما أتذكر يوم 2 ذو الحجة الموافق 18 أكتوبر وذهابي إلى كلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات بالإسكندرية لحضور مناقشة رسالة الدكتوراه المقدمة من الباحثة أسماء السيد شكر عن ” جهود الدكتور جابر قميحة النقدية ” وكيف أشاد الأساتذة المناقشون بالباحثة وموضوع البحث والجميع يسأل: أين الدكتور جابر قميحة؟
أسأل الله أستاذنا الكبير ألا يحرمنا أجرك وألا يفتننا بعدك وأن يغفر لنا ولك وأن يجزيك بالإحسان إحسانا وأن يجعل قبرك روضة من رياض الجنة وأن يحشرك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
اترك تعليقاً