درس خاص في الجغرافيا
لصغيري سامح
نظمتُ هذه القصيدة و “سامح” ابني في الصف الرابع الابتدائي بإحدى مدارس إسلام آباد بباكستان، وقد تعودت أن أساعده في المنزل بشرح ما يستعصي عليه من دروس. و“صعيب” المشار إليه في القصيدة مصري , كان صاحب منصب رياسي عال جدا , في الجامعة التي كنت أعمل بها. وكان – سامحه الله – يعبد المال في نهم وشراهة :
كالحوتِ لا يرويه شيء يطعَمُهْ يصبح ظمآنَ وفي الماء فمُهْ
اسمع يا سامحُ يا ولدي
الأرضُ تدورُ.. وتدورُ
والمحورُ يا ولدي مائلْ
من أعلى للأسفلِ مائلْ
لولا ميلانُ المحورِ
لاختل الكونُ وأمر الكونْ
**********
والأرضُ تدورُ.. وتدورُ
واليومُ الواحدُ يعني دورهْ
وكذلك حول الشمسِ
تدور الأرضْ
في عام تكملُ دورتَها
أيْ هذا يعني عامًا واحد
**********
دورانُ الأرض اليومي
يعني النور .. ويعني الظلمةْ
أما الدوران السنوي
ففصولُ العام…
أربعةُ فصولٍ في السنةِ
فربيعٌ يتلوه الصيفُ
وخريفٌ يتلوه شتاءْ
**********
وعلى المسكينة أعني الأرضْ
ألا تتوقفَ في لحظهْ
تتعبُ أو تشقى غيرُ مُهمْ
وعليها آخر دورتها
أن تُفرغَ ما في جعبتها
في جيب “صعيب”
مسكينهْ!!
مطلوبٌ منها إذْ تمضي
أن تطرق كل الأبواب:
اعطوني مما أعطاكم ربي
دولارا
قطعةَ جبنٍ
قطعة أرضٍ
طبقًا من مشٍّ
فيلا
شاليهًا
دكانًا
سهْما
سنَدًا
شركة توظيف للأموال
أو مخزنَ بيع للأعضاءْ
أو بنك دماءٍ وضمائرْ
اعطوني حتى كسرةَ خبزٍ
ملقاةً في قعر زبالهْ
اعطوني مما أُعطيتمْ
فصعيبٌ
ينتظرُ حصيلة يومي
أو يؤذيني في عافيتي
**********
صوت: المحور يأيتها الأرضُ يميلُ
ويميلُ…
نخشى أن ينكسر المحور ..
فتكون مصائبُ وكوارثْ.
**********
لا…
المحورُ لن ينكسرَ البتهْ
ما دمتُ أصب حصية يومي
في جيب “صعيب”
**********
جيب “صعيب”
يسعُ الأقطارا
والأنفارا
والدولارا
والدينارا
والكفيارا
آه…!!
كدتُ أميدُ
أنسى دوراني
و “صعيبٌ” يتدفق غيظا
يصرخ في نبرٍ ساعْر:
“دوري .. دوري
امضي.. دوري..
جيبي خاو …
جوفي خاو..
والشمسُ هنالك في الأفِق
تمضي لتغيب..
والمحور يشكو من كسلكْ”.
**********
جيبك؟!
جوفك؟!
حدثني عن عقلك
فالعقل كما قال المثلُ
“زينةُ من يتحلّى بِهْ”
“آه…
فسدت أخلاقك بالُكَعُ
وخُدعت بقول الشاعرِ
ذاك التافه
من يتبعه كل غوي
ويجوبُ الوديانَ هياما
ويغازلك بشعرٍ ماجنْ
طمعا في شيء من إيرادك
من عرق جبينك يا لكعُ
أو ما يكفيني
أني أرفعُ عنك الإصرْ
وأخففُ عنك حصيلة يومِك:
دولارات
وعمارات
وبلاجات؟
أو ليس بعمل مُضْنٍ هذا؟
.. دوري يا جاحدة
دوري…
فالمحورُ يشكو من كسلك
**********
لن يُطفئ ثورتك الحمقى
إلا أن أستأصل
قُطبا من قطبيك
ولك الخيرةُ في أيهما
فأنا أحترم الحرية”
**********
لقطعة متقطعة:
“الأرض تعاني
من فرطِ الأوجاعْ
لكن تمضي
وتدور بلا قطبٍ علوي
في شاش دامٍ
… دام ..
تمضي وتدق الأبواب”.
أعطوني مما أعطاكم ربي
دولارا..
دينارا..
قطعة جبنٍ
قطعةَ أرض
طبقا من مِشٍ
فيلَّا..
شاليها
دكانا..
سهما
سندا
شركة توظيفٍ للأموالْ
أو مخزنَ للأعضاءْ
أو بنك دماءٍ وضمائرْ
أعطوني كسرة خُبزٍ
حتى لو كانتْ …
ملقاة في قعر زبالهْ
فصعيبٌ ينتظر حصيلة يومي
أو يبترُ مني القطبَ الثاني.
**********
لقطة مقتطعة:
“وأفيق وأكمل شرحي”
اسمع يا سامح
وانظر يا ولدي..
هذا القطبُ الثلجي شمالا
وجنوبا قطبٌ ثلجي آخرْ
أما هذي
فالإسم الجغرافي لها:
سلسلةُ جبال الأنديز
والهملايا مرتفعاتٌ
أعلاها قمة “إفرِسْت”
واليابسة تمثلُ سبعا
من قارات الأرض
والماء محيطات وبحارُ
أوسعُ بكثير من يابسة الأرض،
والأرضُ..
كرة هائلة تمضي وتدورُ
لكن المحورَ يا ولدي مائل ..
هيه …
يا سامح …
أفهمتَ الدرس؟
**********
يا أبتي
لم أفهم شيئًا
فلقد قلتَ جديدا
لم تشرحه “المِسُّ ” لنا
أثناء الحصة في الفصل ..
مثل: صعيبٍ
.. قطعة جبنٍ
أو دولار
أو دينار
أو شاليه…
**********
يا سامح فلتتنبهْ
سأعيدُ الشرحَ لآخر مرهْ
الأرضُ تدورُ.. وتدورُ
في اليوم الواحد تستكمل دوره
والمحور يا ولدي مائل
و “صعيب”…
لا … آسف
ليس هناك “صعيب”
بل “سرطان”
يفتح “فاه” لكيما يأكل
**********
بابا..
“المس” في الفصل تقول:
“السرطان مدار”
كيف يكون مدار يَأكل؟
يأكلُ من؟
أو يأكل ماذا؟
**********
يأكلُ “أنتَ”
ويأكلُ “نحنُ”
ويأكلُ “هُمْ”
وقطعة جبنٍ
قطعة أرض
أو دولارا
أو دينارا
أو شاليها
أو …
**********
بابا
أنا لم أفهمْ شيئًا أبدًا
مما قلت!!
**********
أوه
عجبا يا سامح
كلماتي كالشمس وضوحًا
عجبًا يا ولدي
ستظل “غبيًا” مثل أبيكْ
اطوِ الكراسةَ يا سامحْ
يكفيني ما قلتُ اليوم
ولنكمل باقي الدرس غدا.
إسلام آباد باكستان
فبراير 1987
اترك تعليقاً