img
حديث عصري إلى أبي أيوب الأنصاري
img
Print pagePDF pageEmail page

حديث عصري

إلى أبي أيوب الأنصاري

ظل الصحابي الجليل أبو أيوب الأنصاري – رضي الله عنه – يجاهد في سبيل الله إلى أن دفن في استانبول . وقد ألقيْتُُ هذه القصيدة يوم 25/8/1993م في مؤتمر رابطة الأدب الإسلامي العالمية المنعقد في استانبول” بتركيا.

يـا  أبـا أيـوبَ والإسـلامُ قُـرْبـى وانْتسابُ
قـد أتـيـنـاك فـفـي الـلُّقيا اغتنامٌ واكتسابُ
نـتـمـلَّـى  أرض مـجدٍ يزدهي فيها الخطابُ
يـا  كـريمًا ضافَ خيرَ الرُّسْل، يا طِبْتَ وطابوا
نـاخـت  القصواءُ(1) في رحبك يا نِعْمَ الرحابُ
قـد قـصـدنـاك ضـيوفًا ولنا فيكمْ رغابُ(2)
نـيِّـراتُ الـقـصْـد لا مـنها طعامٌ أو شرابُ
أو هـوى لـيـلـى ولـبنى، أو سعادٌ أو رَبابُ
إنـمـا  جـئـنـاك تـحـدُونا بطولاتٌ عُجابُ
ذكـريـاتٌ فـي فـمُ الـدنيا هي المسْكُ المذَابُ
حين  كنتم بلْسمًا(3) في السلم صَفْوًا لا يُشاب(4)
ولـكـم  فـي سـاحـة الـنـور بـنودٌ وقبابُ
وقـلـوبٌ  مـلْـؤهـا الـرحمةُ والحبُّ اللبابُ
*                      *                      *
فـإذا  مـا ظُـلمَ البُرْهانُ أو غِيلَ (5) الصوابُ
هِـجْـتُـمُ الـهْـولَ، فَـلـلْـهولِ زفيرٌ ولُهابُ
وإذا أنـتـم – حُـمـاةَ الـحـقِّ- آسادٌ غضابُ
رفـرفـتْ من فوقهمْ في ساحةِ الهول العُقَاب(6)
وخـيـولُ الله تـمضِي، فهْيَ في الساحِ الجَوابُ
مـثـلما  السيلُ، لها في الحَزْن والسهْل انصبابُ
ولـهـا فـي سـاحـة الـنـصر ذهاب وإيابُ
وضُـبـاحٌ وصـهـيـلٌ، وصـلـيلٌ وضِرابُ
وحِـرابٌ  سـاعـرات، فَـلْـتَـقُولي يا حِرابُ
وسـيـوفٌ، وحـتـوفٌ، وزحوفٌ، لا انسحابُ
وهـتـافُ  الـعـزة الـقَـعْساءِ يحدُوه السحابُ
والـمـنـايـا- لا الدنايا- هي للصحب الطِّلابُ
خـالـدٌ فـيـهـم، وسـعـدٌ، والمثنى والحُبَابُ
مِـنْ  دمـاهمْ في نواصي الخيل عطرٌ وخِضابُ
لـم يـكـونـوا كجيوش قطعوا الأرضَ وجابوا
مـا  هُـمُـو إلا شُـمُـوسٌ زاحفاتٌ أو هِضابُ
لـيـس يـثـنـيهمْ عن الزحفِ جبالٌ أو عُبابُ
فـهُـمُـو  لـلـمـوت هَـبُّوا، ونِدا الله أجابُوا
يـوم دكُّـوا الـفـرسَ والرومَ وما هانُوا وهابوا
فـإذا  الأعـداءُ – مـن رُعْـبٍ هباءٌ أو سراب
إنـه  الـمـسـلـمُ حـقًـا سيفُ حقٍ أو شِهابُ
فـي سـبـيـل الله يـحـيـا، لا نفاقٌ لا كِذابُ
مـصـحـف  يـمشي , عليه من تقى الله ثيابُ
سـيـفُـهُ  إن يَـبـغِ بـاغٍ هـو للباغي عِتابُ
هـكـذا  كـنـتـم – أبا أيوبَ والغرُّ الصحابُ
دررًا زانـتْ جـبـيـنَ الـدهْـرَ شيبٌ وشبابُ
شـابَ فَـوْداكَ مـن الدهر وما في الشيبِ عابُ
لـم يـكـن يُـحْـسَـبُ بالسنِّ مشيبٌ أو شبابُ
لـيـسَ  بـالـشبانِ من هانُوا إذا حطَّت صِعابُ
وإذا الـشـيـخُ تـجلى فهْو في الحرب الشهابُ
ثـم طـال الأمـدُ الـمـنـكـودُ واهتزَّ الجَنَابُ
وغـدا  بـيـنَ قـلـوب الـقوم والدين حجابُ
ثـم  حـل الـوهْـنُ فـيهم وهوى الدنيا طلابُ
*                      *                      *
ثـم  جـئـنـاكَ ولـلـشـعـرِ نشيجٌ وانْتحابُ
بـقـلـوبٍ دامـيـاتٍ بـعْـدَ أن جلَّ المصابُ
مـن ديـار قـد تـغـشـاهـا ظـلامٌ وضَبَابُ
فـالـقـوانـيـنُ  انـتـهاكٌ وانتهاشٌ وانتهابُ
وسـجـونٌ وشـجـونٌ ودمـوعٌ واغـتـصابُ
وأنـا الـمـسْـلِمَ في أرضي لِيَ العُقبى اغترابُ
لـم يَـعُـد لـلـبـلبُلِ الغرِّيدِ في الدوْحِ رحابُ
واسـتـقـرتْ  فـي رحابِ الدوح بومٌ وغرابُ
صَـوْتُـهُ فـيـهِ نـعـيـبٌ ونـعيقٌ مستطابُ
وعـلـى الـبُـلـبـلِ أن يمضي يُغَشِّيه العذابُ
شـاردَ الـخطو، حبيسَ الشجْوِ تَقْلِيه(7) الشعابُ
ويـنـادي  الأُفْـقَـ: هـل للفجر من ليْلِكَ بابُ؟
فـإذا الأصـداءُ هـمِّ وضـيـاعٌ واكـتِـئـابُ
إنـه لـيـلٌ كـثـيـفٌ مُجرمُ الظُّلْمات.. غابُ
ذو  عُـيـونٍ راصـداتٍ شَـرعُـها ظُفُرٌ ونابُ
قُـوتُـهـا  الأعْـراضُ، أمَّـا دمُّنا فَهْو الشرابُ
وبّـخـورُ الـزيـفِ دِيـنٌ والـنـفاقاتُ كتابُ
والـمـروءاتُ خـطـايـا، والـنَّذالات صوابُ
ويْـحَ قـلـبي – يا أبا أيوبَ – قد جُنَّ الحسابُ:
ألـفُ مـلـيـون بـلا قـدْرٍ ولا حتى الذبابُ!!
بـل غُـثـاءٌ كـغُـثـاءِ الـسـيْلِ بالنفخِ يُذابُ
وقـلـوبٌ مـن هـواء وحـنـايـاهُـمْ خرابُ
يـسـتـوي  مـنهم حُضورٌ في حماها أو غيابُ
لا  تـسَـلْـهُمْ عن غِضابٍ، لم يَعُدْ فيهم غضاب
لا تَسِلْهُم عن عُضاب، ماتَ في الغِمْدِ العُضابُ(8)
والـخـيـولُ  الـجـردُ نامتْ في مآقيها الذبابُ
غـابـت  الـصَّـهْـوَاتُ منها وتغشاها التُرابُ
أَنـعَـاجٌ  مـا أرى في الساحِ أمْ خيْلٌ عِرابُ(9)
أيـن سُـوَّاسُـك يـا من كنتِ في الهولِ تُهاب؟
قـال ثـأرُ الله “لا تـسـألْ، فـقـد وَلًَّوا وذابوا
يـا لَـقَـومـي عن جهاد القوم قد صامُوا وتابوا
وأطـاعُـوا  مـن أضـلُّـوهم وأَغْروْهُمْ فخابُوا
“وأعِـدُّوا مـا اسـتـطـعـتم” قد تولاها الغيابُ
أم تـرى الأنـفـالَ واذلاه لـم يَـحْـوِ الكتابُ؟
أوَ ديـنٌ غـيـرُ ديـنِ الله لُـحـمَـاهُ ارتيابُ؟
وانـقـهـارٌ  وانـهـيارٌ وانصهارٌ واضطِراب؟
*                      *                      *
أنـا لم أَقْنطْ (10) ولكنْ ضَلَّ في قومي الصوابُ
ويـقـيـنـي أنني بيني وبين النصْر قابُ(11)
إنـهـا  سُـنَّـةُ ربِّـي لـيـسَ تَـفْنَى يا ذئابُ
قـد  يـغـيـبُ الحقُّ يومًا ثم يأتيه الغلابُ(12)
فـإذا  الـلـيـلُ تـمادى فسيمْحُوهُ انْجِيابُ(13)
ويـشـقُّ  الأفْقَ سيفُ الفجرِ والآيُ العِذابُ(14)
ويـعـودُ  الـبـلـبـلُ الـغرَّيدُ، يا نِعْمَ الإيابُ
ويـعـود  الـدوح دَوْحًـا والـروابي والشَّعابُ

 

(1) القصوء: ناقة الرسول صلى الله عليه وسلم.

(2) الرغاب: الرغبات و المقاصد.

(3) البلسم: العلاج والدواء.

(4) يشاب: يخلط ويعكر.

(5) غيل: قتل غدرًا.

(6) العُقاب: “بضم العين” اسم راية الرسول صلى الله عليه وسلم.

(7) تقليه: تبغضه.

(8) السيف العضاب: القوي.

(9) الخيل العراب: الأصيلة.

(10) القنوط: اليأس.

(11) قاب: مسافة قصيرة.

(12) الغلاب: التغلب والنصر.

(13) انجباب: انقشاع وانتهاء.

(14) الآي العذاب: (بكسر السين) الآياب العذبة.

Print Friendly, PDF & Email
أشعار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

img
القائمة البريدية
img