img
جابر قميحة.. يذكرنا
img
Print pagePDF pageEmail page

جابر قميحة.. يذكرنا

محمود سلطان

محمود سلطان

كتبت هذه المقالة منذ عامين تقريبًا بمناسبة تكريم شاعرنا الكبير الراحل جابر قميحة الذي رحل عن دنيانا يوم أمس رحمه الله تعالى. 

تقول المقالة: 

كانت مبادرة طيبة أن يحتفل مركز دراسات إسلامي، بالشاعر والناقد المصري الكبير د. جابر قميحة، بمقر نقابة الصحفيين بالقاهرة منذ أكثر من أسبوعين، وذلك بمناسبة بلوغه عامه الثمانين.

الاحتفال يعتبر الأول من نوعه، خاصة وأن الاحتفالات الثقافية وتوزيع الجوائز باتت فقط حصرًا على الأدب والأدباء والشعراء العلمانيين وكل من كتب عملًا صادمًا لمشاعر الرأي العام المسلم.

تكريم “قميحة” من شأنه أن يضع علامات استفهام كبيرة أمام ترك الإسلاميين حقل الإبداع الأدبي وانسحابهم منه من جهة، وتخليهم عن المبدعين الإسلاميين ـ على قلتهم ـ وتركهم نهبًا للحصار والتهميش العلماني من جهة أخرى.

لا نسمع ـ تقريبًا ـ عن أصوات نقدية أو أدبية داخل الفضاء الإسلامي، تناظر الأصوات العلمانية الأكثر صخبًا في العالم العربي، ولا ندري ما إذا كان هذا الغياب يرجع إلى “الحصار” الذي يضربه العلمانيون على كل ما هو إسلامي، أم لعزوف الإسلاميين عن هذا الفن وترك الساحة خالية لغيرهم؟!

صحيح أن النخبة الثقافية العلمانية مهيمنة على كل قنوات وأوعية صناعة النجوم في العالم العربي، ولا تنقل إلى دائرة الضوء إلا كل من كان نبتًا صادرًا من بيئتها وثقافتها ورؤيتها للدين وللحياة، إلا أن تعليق غياب الإسلاميين إبداعيًا عن المشهد الثقافي العربي، على “مشجب” الاضطهاد العلماني، يظل تفسيرًا مبالغًا فيه، ويحمل مسوغات غير منصفة وغير عادلة في تقدير الأسباب التي أدت إلى “تخلف” التيار الإسلامي عن نظيره العلماني في ذلك الشأن.

حتى الآن لا توجد اختبارات حقيقية يمكن من خلالها استجلاء وزن الإسلاميين في الفضاء الإبداعي العربي، وحتى إذا افترضنا أن ثمة مبدعين ومواهب واعدة منهم موجودة على وجه الحقيقة لا الافتراض، فإن هذا الوجود لا يمكننا الإحساس به، بل سيظل “افتراضيًا” إلى أن يتم اكتشافه وتقديمه إلى الجمهور من خلال أدوات نشر ودعاية احترافية ومنظمة، وهي الحالة التي لا توجد لدى الإسلاميين حتى اللحظة!

وإذا كان للهيمنة الإعلامية العلمانية دور في مثل هذا الغياب، فإنه لا يسعنا إلا أن ندين أيضًا رأس المال الإسلامي، لعدم وعيه بخطورة هروبه من الاستثمار في هذا المجال ولو من قبيل الاحتساب وليس جريًا وراء قوانين السوق وقواعد المكسب والخسارة.

الإسلاميون لا تنقصهم الأموال ولا المهارات ولا المادة الخام من الكفاءات الإعلامية والمهنية، غير أنهم مشغولون في قضايا “استعراضية” أقرب ما تكون إلى وجبات الـ”تيك واي” و”الشو الإعلامي” اقتفاءً لأثر الإعلام الاستهلاكي الباحث عن الإعلانات وتضخيم الحسابات في البنوك.

لا توجد ـ على سبيل المثال ـ دوريات إسلامية جادة تهتم بالمبدع المسلم ولا ندوات ولا جوائز تقديرية أو تشجيعية ولا أدوات إعلامية قادرة على صناعة نجوم إسلامية تنافس الشعراء والأدباء العلمانيين وتشجع على امتلاك ناصية الإبداع والنقد الأدبي وأسلمته على النحو الذي يعيد إليه شرعيته الإنسانية والأخلاقية.

وفي هذا السياق أذكر أنني كنت في زيارة للعاصمة القطرية الدوحة لحضور إحدى الندوات وفي الفندق سألني الداعية الإسلامي المعروف الشيخ عبد السلام البسيوني: لماذا لا يوجد بين الإسلاميين شاعر مثل عبد الرحمن الأبنودي أو أحمد فؤاد نجم؟.. بل بالغ الرجل في غضبه متسائلًا: لماذا لا يوجد بين الإسلاميين امرأة مثل نوال السعداوي؟!

أسئلة مشروعة ومؤلمة لا تعكس فقط حجم المرارة التي يستشعر بها المبدعون الإسلاميون المهمشون، وإنما تلفت النظر إلى حجم “الكَبيرَة” التي ترتكب في حق العقل العربي المسلم حين تركه الإسلاميون مستباحًا للأدب الماركسي واليساري المتطرف ليفعل به الأفاعيل.

Print Friendly, PDF & Email
قالوا عن د. جابر قميحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

img
القائمة البريدية
img