img
جابر قميحة في ميزان النقد الأدبي
img
Print pagePDF pageEmail page

 بمناسبة مرور عام على وفاته..

جابر قميحة في ميزان النقد الأدبي (1)

بقلم / عمر محمد إبراهيم  مدرس الأدب والنقد المساعد بجامعة الأزهر

“تعرَض  نفر قليل من الأدباء والنقَّاد لنتاج ” جابر قميحة ” المقالي، فمنهم من مدح، ومنهم من قدح، وهذا طبيعة الأعمال البشرية، فليس هناك أحدٌ فوق النقد، ولا يوجد من يدّعي الكمال.

وقد امتدحه النقاد كأديب إسلامي له باع طويل في صد الحملات التي استهدفت الأدب الإسلامي عبر عقود متصلة، وله في ذلك بحوث عدّة ومقالات متنوعة، يدحض الشبهات، ويرسخ قواعد الأدب الإسلامي المنشود.

ومن هؤلاء الذين أثبتوا شهادتهم في ” قميحة ” الأستاذ الدكتور/ صابر عبد الدايم([1])؛ إذ يقول عنه : ” كانت رؤيته مُتسعة، وكان فكره متجددًا، ويكفي أنه من أوائل الذين كتبوا عن الشاعر أمل دنقل، وتناولا أشعاره بالنقد، وهذا يرد على كل من يتهمه بالجمود والانغلاق، كما كتب عن التراجم الأدبية في العصر الحديث، وعن الأدب العربي بين الجمود والتطرف، وكان يميزه ثقافته الجادة، ويؤمن بالأصالة الفكرية، وينادي بترسيخ الهوية الإسلامية , وعندما نرى أديبًا يخرج من جامعة عين شمس متفتحًا على الثقافة الحديثة، وقارئًا لعيون الأدب الأجنبي، ثم يدافع عن ملامح الرؤى الإسلامية، فإنه يثبت أن الإسلام دين عالمي؛ ليس منغلقًا على ذاته، أو حدود وطنه “([2]).

ويتضح لنا من خلال ما سبق أن ” جابر قميحة ” لم يقتصر نتاجه على نوع واحد من الأدب فنقَدَ الشعر, وكتب في التراجم مناديًا بالأصالة العربية رغم إطلاعه وتأثره بالثقافات الحديثة، وتمكنه من ترجمة بعض الدواوين الشعرية، وهو ديوان ” أسماء الله الحسنى “([3]).

وقد منحه الأستاذ الدكتور/ خالد فهمي([4]) لقب ” الأديب الرسالي “؛ بل قال: “إن قميحة هو أول من أبدع مصطلح ” الأدب الرسالي “؛ ليكون بحق هو راعيه وحاميه”([5]) , وفي مقال له آخر يذكر أن “قميحة” هو “المعني بتبصير الشباب المسلم، ضد التنصير والاستشراق ومؤامراته، وهو المعني بالدفاع عن العربية، وبيان المخاطر التي تحدق بها، وهو المعني بالتأصيل للمعارضة في الإسلام بين النظرية والتطبيق([6]).

وأرى أن ” جابر قميحة ” ليس هو الوحيد المعنيّ بتبصير الشباب المسلم، والمدافع عن قضايا اللغة العربية، وغير ذلك كما قد يُفهم من كلام الدكتور/ خالد فهمي؛ بل شاركه في ذلك ثُلة طيبة من العلماء والدعاة والأدباء والكتّاب؛ مما قد يصعب حصرهم وذكرهم على مر الأزمنة والعصور .

ويشارك الدكتور/ حلمي القاعود([7]) الأديبين السابقين رأيهما في “جابر قميحة” قائلاً : ” هو عالم فاضل وأديب موهوب، وشاعر كبير، وكاتب مقالة بصفة مستمرة، ومدافعٌ صلب عن الإسلام والمسلمين، وأتاح له حظه أن يلم بلغة أجنبية، فأتقنها …، وترجم كثيرًا من النصوص الإنجليزية، وهذا يدلُّ على تنوع قدراته الإبداعية، وخدمته لقضايا الأمة الإسلامية([8]).

ويشبهه الدكتور/ محمود خليل([9]) بأديب الإسلام مصطفى صادق الرافعي في صياغته الأدبية، فيقول بعد أن تحدث عن أخلاق الرجل :

” … ومن حيث الصياغة الأدبية فقد كان إمامًا في فن المقال والذي عوضنا به عن أديب العروبة والإسلام مصطفى صادق الرافعي، وعبقرية سيد قطب، ودقّة العقَّاد، ورقة المنفلوطي “([10]).

وقد استدل ” خليل ” ببعض نماذج هذه المقالات ليؤكد حكمه السابق، فيقول:

“وخير مثال على ذلك سلسلة مقالاته المتفردة عن حادث المنشية عام1954م؛ التي كتب فيها ” جابر قميحة ” نسيجًا وحده في التعامل الفني المركب مع النكتة السياسية التي عالجها بسخرية ممتعة ومشبعة في آن معًا “([11]).

ونحن نوافق الدكتور/ خليل على هذا القول فإن قميحة استطاع في مقالاته السياسية توظيف ” النكتة ” للتقريع والتوبيخ، يكشف العيوب والمثالب، ويسخر من الأكاذيب المحكمة التي أجهد فيها الأفاكون أذهانهم لتخرج بصورة يقبلها الناس لإحكام السيطرة على المعارضة واتهامهم بجرائم لم يرتكبوها دون ذنب أو جريرة؛ مرورًا بين الفينة والفينة كقول الشاعر :

فكم ذا بمصر من المضحكات

ولكنه ضحكٌ بالبكا([12]).

ويتفق الدكتور/ علي عشري زايد مع ما سبق قوله في بحثه : ” أدباء دعاة، ودعاة أدباء ” جابر قميحة نموذجًا “([13])، فيقول :

” والدكتور/ جابر قميحة قبل أن يكون شاعرًا هو ناقد أدبي، ومفكر إسلامي، وأستاذ جامعي قد سخر كل إمكاناته العلمية والأدبية لخدمة الدعوة الإسلامية التي ملكت عليه أقطار نفسه منذ شبابه الباكر ” .

وقد تناول ” زايد ” في هذا البحث جوانب الإبداع المتعددة عند “جابر قميحة” شعرًا ونثرًا، ومن ذلك حديثه عن الدراسة التي قام بها ردًا على رواية ” وليمة أعشاب البحر” والتي عنون لها كاتبنا بعنوان : ” رواية وليمة أعشاب البحر في ميزان الإسلام والعقل والأدب “، والتي ” وظّف فيها كل براعته النقدية في تحليل النصِّ الأدبي مستغلاً كل أدوات التحليل الفني وآلياته؛ ليثبت أنها رواية ساقطة بكل الموازين والمعايير الأدبية ذاتها؛ فضلاً عن خروجها على القيم الإسلامية والأخلاقية “([14]).

وقد عدَّ ” علي عشري زايد ” أديبنا ” جابر قميحة ” من هؤلاء الأدباء الذين حاولوا حلّ المعادلة الصعبة، والتي بمقتضاها الجمع بين إسلامية المضمون، وجمال الشكل، والذين منهم محمود حسن إسماعيل، وعمر بهاء الأميري، وحسين علي محمد، وصابر عبد الدايم، وجابر قميحة، وأحمد محمد الصديق، وعبد الله عيسى سلامة “([15]).

والقاسم المشترك بين هؤلاء جميعًا – وغيرهم ممن لم يذكرهم – ميلهم إلى النزعة الإسلامية في التوجّه والمنهج، فضلاً عن جمال الشكل وروعة التصوير.

وهو رجلٌ موسوعي لم يقف عند نوع واحد من الأنواع الأدبية، كما وصفه الدكتور/ وصفي عاشور أبو زيد، فما من حدث من الأحداث التي تخص قضايا اللغة والأدب، وقضايا الأمة الكبرى إلا لبّاه، بقلمه ينثر مقالات، ويسطر شعرًا، وبلسانه يلقي ما كتب في المؤتمرات والملتقيات ….، فهو بحق يمثل الصوت الأدبي لأحداث أمته “([16]).

ويتابع الدكتور/ وصفي عاشور أبو زيد حديثه عن “جابر قميحة” كاشفًا الستار عن دقته في اختيار الألفاظ، وضبطه للمصطلحات قائلاً :

” فهو يعتمد على اللغة والوقوف أمام مضامين المصطلحات بعد ضبطها في تفنيد الشبهات، ويتكئ على استعمال الكلمة واشتقاقاتها في تفنيد الشبهة أو الرد على الافتراءات … حتى يأتي على الشبهات من القواعد، ويؤسس عليها بنيانًا صحيحًا…، ومن الأدوات التي يستخدمها في كتاباته، والأساليب التي يعتمد عليها: السخرية اللاذعة التي لا يفتأ يقرؤها القارئ؛ حتى ينطرح على ظهره ضاحكًا”([17]).

أما الدكتورة “أسماء شكر”([18])  فقد حددت المنهج الذي انتهجه “قميحة ” في مسيرته النقدية وهو المنهج الوسط  الذي يقوم على الموضوعية العادلة وينشأ من التأنيفي النظر إلى الآثار الأدبية وشمولية النظر إليها، بعيداً عن التعسف أو التطرفالنقدي([19]).

وغيرهم من الأدباء والنقّاد الذين تناولوا أدب قميحة عمومًا ولمقاله خصوصًا ،  هذا المقال الذي كان ينتظره  أعداؤه خوفا ورهبا  , وأصدقاءه فرحا وطربا  ، وأشهره مقاله الأسبوعي الذي كان يهز عروش الظلم  ويسمع به الصم  على صفحات ” آفاق عربية ” 

                                                           __________________________________

( [1] ) أستاذ الأدب والنقد، جامعة الأزهر , وعميد كلية اللغة العربية بالزقازيق , وهو من مواليد الشرقية عام 1984م . ينظر:” الكواكب الدرية في سير أعلام الكلية “، ص 27، وهو كتاب تسجيلي وثائقي لأعضاء هيئة التدريس بكلية اللغة العربية بالزقازيق . الإصدار الأول 1432هـ-2011م .

( [2] ) جريدة المصريون بتاريخ 18/11/2012م .

( [3] ) ينظر: مجموعة الأعمال الشعرية والمسرحية، د. جابر قميحة، ج 2 ص 663، مركز الإعلام العربي، ط. 1 ، 2010م.

( [4] ) أستاذ الأدب والنقد ، جامعة المنوفية .

( [5] ) جريدة الحرية والعدالة، العدد (380) بتاريخ 10/11/2012، مجلة المجتمع، العدد (2050) بتاريخ 27/4/2013 وقراءة في الأعمال الإبداعية د/جابر قميحة، رابطة أدباء الشام بتاريخ 23/11/2010

( [6] ) ” ويظل يعلو صوت المئذنة “، أ.د/ خالد فهمي ، رابطة أدباء الشام ، بتاريخ 3/11/2007 .

( [7] ) أستاذ الأدب ، جامعة طنطا , وهو من مواليد محافظة البحيرة  1946م.

( [8] ) جريدة المصريون 18/10/2012م .

( [9] ) وهو من مواليد قرية نبتيت مركز مشتول السوق ، محافظة الشرقية، عام 1960م، وله عدة دواوين شعرية، طبع منها : ميراث الأرض لمن ، وفي الصباح نلتقي ، وسيف الله المسلول وهو عضو اتحاد كتاب مصر ، ويعمل مديرًا لإذاعة القرآن الكريم المصرية . ينظر : ديوان سيف الله المسلول، دار الصحوة، القاهرة، 1994م.

( [10] ) جريدة المصريون 18/10/2012م .

( [11] ) السابق .

( [12] ) والبيت لأبي الطيب المتنبي .  الديوان  ص 511 ، دار بيروت للطباعة والنشر 1430هـ – 1983م

( [13] ) مجلة الرسالة ، العدد ( 7 ) ربيع الأول 1424هـ – مايو 2003م .

( [14] ) السابق .

( [15] ) نفسه .

( [16] ) جريدة ” المصريون ” 18/11/2012م .

( [17] ) جريدة ” فجر الحرية ” الإلكترونية ، بتاريخ 10/11/2012م .

( [18] ) المدرس بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالإسكندرية.

( [19] ) ينظر: “جابر قميحة أبعاده الفكرية والنفسية وتوجهاته الشعرية . ” جابر قميحة نجم في سماء الفكر والأدب. ص51, إعداد مركز الإعلام العربي ط1/  1432ه-2011م

 

Print Friendly, PDF & Email
قالوا عن د. جابر قميحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

img
القائمة البريدية
img