img
اللغة العربية .. المشكلة والحل
img
Print pagePDF pageEmail page

اللغة العربية ..  المشكلة والحل

أولا: المشكلة

أهمية اللغة العربية الفصحى  ، ومصدر هذه الأهمية :

تعتبر اللغة العربية  الفصحى بالنسبة للأمة العربية أهم من أية لغة أخرى بالنسبة للأمة التي تتكلم بها ، ويرجع ذلك لتفرد اللغة العربية بعدد من السمات والملامح  لاتتوافر للغات  الأخرى :

1-     فهي  لغة القرآن : والقرآن هو الكتاب المنزل الوحيد المدون باللغة التي نزل بها ، بينما نزلت التوراة والإنجيل  باللغة الآرامية أو السريانية ( لا اللغة العبرية كما هو معروف خطأ ).

2-     وهي لغة قومية : جمعت العرب من قديم  في وحدة لغوية متماسكة – على الرغم من تعدد اللهجات المحلية ، وعلى الرغم من المحاولات المتعددة لهدمها والقضاء عليها .

3-     وهي لغة تراثية : بمعنى أنها كانت – ومازالت – الوعاء الذي حفظ التراث العربي والإسلامي ، وصانه من الضياع ، يستوي في ذلك العلوم الإنسانية والعلوم التجريبية , إنها حفظت من الضياع كثيرا من شرائح التراث اليوناني الذى ترجم إلى اللغة العربية ، وضاعت أصوله اليونانية ، فترجمه علماء اليونان بعد ذلك من العربية إلى اليونانية .

4-     وفى اللغة العربية من الملامح والخصائص الذاتية ما لايتوافر في كثير من اللغات الأخرى (وعلى سبيل التمثيل : حروف العطف ، اختلاف صور الفعل باختلاف المسند إليه ، وخصوصا فعل الأمر ، قضية الترادف ، وزيادة الوصف …. الخ ).

محاولات هدم العربية الفصحى :

وهي محاولات ارتبطت أغلبها في وجودها بحركات التنصير والإستشراق ، وتولي كبرها كثير من العلمانيين الذين ساروا على درب المنصرين والمستشرقين بالوعي أو باللاوعي ، ومن هذه المحاولات التي نجح بعضها ، وباء بعضها الآخر بالإخفاق :

1-  زرع اللغات الأجنبية – والإنجليزية بخاصة – ومزاحمتها للغة العربية  الأم ، حتى انفردت دون العربية بالتدريس ، كما نرى  في كليات الطب ، والهندسة بجمهورية مصر العربية .

2-  الانتصار للعاميات بإنشاء معاهد وأقسام مستقلة لما يسمي بالأدب الشعبي

3-  محاولة الهدم بدعوى تسهيل اللغة العربية ، وقد أخذت هذه الدعوى أو هذا الادعاء صورتين .

الأولى : المناداة  بإلغاء الإعراب ، وتسكين أواخر الكلمات .

الثانية : اختصار حروف الأبجدية ( بمعنى أن يكون للحرف صورة واحدة في الكلمة سواء أكان موقعه في أولها أو وسطها أو نهايتها ).

4-  تغليب العاميات في وسائل الإعلام ، وأسلوب الأداء في التدريس .

مظاهر المشكلة وأسبابها :

وتتعدد مظاهر أزمة اللغة العربية وأسبابها ، وتتداخل المظاهر والأسباب حتى يصعب الفصل بين ماهو مظهر وما هو سبب ، وأنا أكتفي بأوضحها ، وأغلبه يعتمد على الملاحظة  الميدانية بعيدا عن التبريرات والتعليلات النظرية .

وأهم هذه المظاهر والأسباب :

–   فى مجال الصحافة والإعلام :

1-  انكماش الصفحات المخصصة للأدب في الصحف اليومية ، والمجلات الأسبوعية والشهرية ، وهي لاتتسع غالبا إلا للون من الأدب  الحداثي الذى لايتفق مع قيمنا الأدبية  ، واللغوية .

2-  ضعف الأسلوب الصحفى وغزارة الأخطاء فى صياغة المقالات ، والأخبار ، والشعر والإعلانات .

3-  ضعف الإعلاميين لغويا، وخصوصا مقدمي  البرامج، ونشرات الأخبار ، ويلجأ كثير منهم إلى تسكين أواخر الكلمات هربا من مسئولية الخطأ ، مع أن التسكين – في غير موضع الوقفات – يعد خطأ لا يقل عن الخطأ في ضبط الكلمات .

–  فى مجال التربية والتعليم :

1–     اضمحلال الكتاتيب فى القرى ، وقد كانت محاضن طيبة لتحفيظ القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة .

2-     هبوط مستوى الطلاب فى اللغة العربية ، وخصوصا النحو ، ولعل من العوامل التي ساعدت على ذلك ضآلة الدرجة المرصودة للنحو في المدارس المصرية ، وهى (8) درجات لشعبة العلوم (10) درجات للشعبة الأدبية ، في السنة النهائية من المرحلة الثانوية ، وكذلك ضآلة الدرجة المرصودة للغة العربية بكل فروعها وهى (50) درجة للعلمي و(60) درجة للأدبي ، وهي قرابة ثلث الدرجة الممنوحة لمادة الرياضيات .,

3-     ضعف المستوى اللغوي والأدبي والثقافي لمدرس اللغة العربية ، ويرجع ذلك لاسباب متعددة  أهمها :

أ)      هبوط المستوى الثقافي العام في الوطن العربي  وخصوصا مستوى الثقافة الأدبية واللغوية .

ب)     اعتماد نظام ترقيات المدرسين – في جوهره – على الأقدمية  المطلقة بصرف النظر عن المستوى العلمي ، والقدرة على العطاء ومدى تطورها . فلا غرابة أن يعتبر أغلب المدرسين  تخرجه  وتعيينه مدرسا بداية حاسمة لقطع صلته بما يسمي( التثقيف الذاتي) الذي يعتمد على الإطلاع  الواسع ، ومحاولة اكتساب الخبرة الميدانية في مجال عمله .

ج)     قلة إقبال الطلاب الحاصلين على الثانوية العامة ، والثانوية الأزهرية على الالتحاق بالكليات التي يتخرج فيها مدرسو اللغة العربية ومنها على سبيل التمثيل :

1-     إلغاء كلية دار العلوم بمصر للمسابقة التي  كانت تعقدها لاختيار الطلاب  اللائقين للالتحاق بها ، وكان امتحان الاختيار ، أو التصفية بها في فقه العبادات والمعاملات ، وتاريخ النبي ، والخلفاء الراشدين ، وأدب العصر الحديث ، والتعبير ، والبلاغة تحريرا ، وشفويا زيادة على حفظ عشرة أجزاء من القرآن الكريم  .

        وما يقال عن دار العلوم يقال عن الكليات الأزهرية التي كانت تشترط – بصفة أساسية – حفظ القرآن الكريم على من يريد الالتحاق بها .

2- فتح الأبواب لمن لفظته الكليات  الأخرى اعتمادا على ” نظام التنسيق ” الذي لا اعتبار فيه إلا لمجموع الدرجات الكلية بصرف النظر عن درجة المادة التخصصية المناسبة  للكلية المرشح لها الطالب ، ومن ثم يرشح لدار العلوم مثلا أكثر المجموعات هبوطا حتى لو كان الطالب حاصلا على النهاية الصغرى لمادة اللغة العربية (25/50 في شعبة العلوم ،30/60 في الشعبية الأدبية ) .

******************************

معالم على طريق الحل

وأزمة  اللغة العربية أعمق ، وأبعد آمادا  من أن تتناول – تشخيصا وعلاجا – في مثل هذه الوريقات ، ولكن ذلك  لايمنع من أن أقدم بعض التوصيات التي أزعم أنه يمكن اتخاذها معالم وصُوي على طريق الحل  . وهي تتناول المشكلة من أربع زوايا هي:

       اللغة العربية  لغة دينية قومية .

       اللغة العربية مادة تعليمية .

       مدرس اللغة العربية .

       التوجيه الفني للغة العربية .

اللغة العربية  لغة دينية قومية

1-     إنشاء ما يمكن أن نسميه ( المجلس الأعلى للنهوض باللغة العربية) على مستوى  الوطن العربي كله ، وتكون مهمته وضع خطة طويلة المدى  ذات مراحل مدروسة للنهوض باللغة العربية ، وتخليصها من عوامل الضعف ، والركة والغثاثة .

وينبثق من هذا المجلس الأعلى مجالس ، أو لجان فرعية للتخلص من مشكلات اللغة العربية المحلية على مستوى البلد الواحد ( لجنة مصر- لجنة السعودية ..) على أن يكون هناك متابعة جادة للإنجازات .

2-   إعداد الإعلاميين إعدادا سليما راقيا رشيدا حتى يكون العطاء سديدا .

3-  أن تكون العربية الفصحى هي أداة التعبير الوحيدة في وسائل الإعلام وخصوصا التلفاز والإذاعة .

4-  الإكثار من الأمسيات الثقافية والبرامج اللغوية والتعليمية في وسائل الإعلام وخصوصا التلفاز .

5-  أن تكون المادة الترفيهية المقدمة  (الأفلام والمسرحيات والتمثيليات ) باللغة العربية السهلة البعيدة عن التقعر ، وقد تأخذ الناس الغرابة أول مرة ، ولكن التدرج في التطبيق سيجعل من ذلك  أمرا طبيعيا لاغرابة فيه . وقد يعترض على هذه الدعوى بما يأتي :

أ‌-  من العقبات التي تعترض ذلك أن الأعمال الجاهزة حاليا من الأفلام والمسرحيات ، أغلبها  الغالب بالعاميات .

ب‌-    صعوبة استساغة هذه الأعمال الجديدة  بالعربية الفصحى ، وخصوصا بالنسبة للأطفال ويمكن تفنيد هذين الاعتراضيين بما يأتي :

أ‌-  التدرج الكمى فى تقديم هذه المادة العربية  الفصحي كفيل بخلق التعود والاستساغة.

ب‌-  أن هذه الأعمال- كما ذكرت آنفا – ستكون بالفصيحة  السهلة الميسرة مما يسهل فهمها واستساغتها .

ج –    ثبت أن الأطفال – بخاصة – لايرفضون مثل هذه الأعمال ما توفر فيها عناصر التشويق ، وجمال العرض ، ورقي المضمون ، وقد رأيت أبنائي الصغار يقبلون بحرص شديد على بعض أفلام ” الكارتون ” الناطقة بالعربية  الفصحى  ، أكثر من إقبالهم على نظيرات لها بالعربية، لأن الأولى فيها من مظاهر الجمال الفني ما لا يتوافر فى الثانية .

اللغة العربية مادة تعليمية :

1)      جعل اللغة العربية  مادة أساسية فى الجامعات العربية بكل كلياتها ، بما في ذلك الكليات التجريبية .

2)      تعريب المواد العلمية ، والهندسية  وأن تكون اللغة العربية هي لغة تدريس هذه المواد.

3)      إنشاء شعبة اللغة العربية التخصصية في السنة النهائية من المرحلة الثانوية ، تمهيدا لالتحاق طلابها بكلية دار العلوم والكليات الأزهرية ، وأقسام اللغة العربية بكليات الآداب والتربية .

4)      رفع درجات اللغة العربية بفروعها المختلفة – فى السنة النهائية من المرحلة الثانوية إلى (150 درجة ) بدلا من (50أو60 درجة ) كما هومعمول به فى المدارس المصرية .

5)      تشقيق فروع العربية – ابتداء من الصف الأول  بالمرحلة الثانوية – إلى ” وحدات ” بحيث يكون لكل وحدة كيانها المستقل تدريسا وتقييما ( نجاحا ورسوبا ) على النحو التالي:

        أ-  التعبير والقراءة                    50 درجة

        ب- النحو                              50 درجة

        ج –النصوص والأدب والبلاغة         50 درجة

6)      اختصاص المدرس بتدريس ” وحدة واحدة ” من الوحدات الثلاث السابقة ولايقوم بتدريس أكثر من وحدة إلا لضرورة ملحة ، ولا شك أن هذا (التخصيص) سيمكن المدرس من التوفر على مادته ، وتعمقها والتمكن منها .

7)      إضافة مادة جديدة في السنة النهائية من المرحلة الثانوية هي مادة ( جماليات القرآن الكريم ) يرصد لها (50)  درجة تبرز ما في القرآن  من السحر البيانى ، والقيم التعبيرية والتصويرية بوصفه إعجازا بيانيا .

        وواضح أن هذا النوع من الدراسة يختلف عن التفسير الذى يعطي اهتمامه الأكبر للشرح اللغوي وإبراز القيم الدينية ، والاجتماعية والإنسانية .

مدرس اللغة العربية :

والمدرس هو قطب الرحى فى هذا المجال . ومما يؤسف له أن مدرسي اللغة العربية حاليا هابطو المستوى وخصوصا الذين تخرجوا حديثا ، للأسباب التي ذكرتها آنفا .

وحتى يستعيد مدرس اللغة العربية مستواه الطيب كي يتمكن من العطاء السليم السديد اوصي بما يلي:

1)      نشر مراكز تحفيظ القرآني في القرى والمدن وتشجيعها ، ومنح القائمين عليها ، والملتحقين بها حوافز مادية قيمة .

2)      إعادة المسابقة ( امتحان القبول) لدار العلوم ، واشتراط حفظ  القرآن  أو نصفه على الأقل بالنسبة للملتحقين بالكليات الأزهرية .

3)      منح الطلاب حوافز مادية شهرية مشجعة ( وقد كان هذا النظام معمولا به من قبل في دار العلوم والأزهر ).

4)      إلغاء نظام الترقية بالأقدمية  المطلقة ، بحيث  لايرقى المدرس ترقية مادية أو أدبية ( من الإعدادي إلى الثانوي ، ومن مدرس عادي لمدرس أول ، ثم إلى وكيل ، أو ناظر أو موجه …. الخ ) إلا بعد أدائه امتحانا جادا في عدد من الكتب الأدبية ، والنقدية ، والتربوية ، وبعد مقابلة جادة عادلة مع لجان تشكل من رجال مشهود لهم بالكفاية في مجال العلم والتعليم والترية .

5)      إدخال مادة  التربية ، ومادة طرق التدريس فى السنتين الأخيرتين فى مرحلة الليسانس فى الكليات التي يتخرج فيها المدرسون ، على أن يرصد النصف الأخير من السنة الأخيرة للتربية العملية .

التوجيه الفني للغة العربية :

وظيفة الموجه من الخطورة  بمكان، لأن توجيهاته تؤدي إلى ما يمكن تسميته ” بالنتائج المركبة أو المزدوجة “، فهو يوجه مدرسيه ويرشدهم ، وهذه التوجيهات تنعكس على التلاميذ إذا أخذ المدرس نفسه بها . ومن هنا تأتي خطورة  مهمته . لذا أوصى في هذا المجال بما يأتى :

1-     ألا يختار لهذه الوظيفة إلا من كان على مستوي رفيع جدا – لا من العلم والثقافة فحسب – ولكن من القدرة التربوية على التوجيه والإرشاد كذلك .

2-     تخفيف العبء عن الموجه ، بحيث لا يزيد نصابه علي:

        35 مدرسا في المرحلة الابتدائية .

        25 مدرسا في المرحلة الإعدادية ( المتوسطة ) .

        20 مدرسا  في المرحلة الثانوية .

3-     تكون مهمة الموجه ذات شقين : شق عملي  ، وشق تقييمي تقديري

        أ-  الشق العملي التعليمي : ويتحقق بقيامه بالتدريس الفعلي في فصول المدارس التي يشرف عليها تدريسا  نموذجيا  بمحضر من المدرسين  لحصتين  أو ثلاث في الأسبوع ، بحيث يغطي كل فروع المادة كل شهر .

        ب-  الشق التقييمي التقديري : ويعني ما يسجله  الموجه فى تقريره السنوي أو نصف السنوي عن كل مدرس من مدرسيه .

وواضح أن الشق الأول- الذي لا وجود له حاليا – هوالأهم وهو الأعمر بالفائدة ، لأن الموجه عمليا يكون مثلا ونموذجا يحتذي للمعلمين في تدريس اللغة العربية مادة وطريقة .

 وعودا على بدء  أقول أن ما قدمته  في هذه الوريقات أقل ، وأضعف من أن يحيط بالمشكلة تشخيصا وحلا ، وكل ما قدمته لايزيد على كونه ” ملاحظات ميدانية ” ,ورؤية شخصية لما أزعم انه ” معالم على  طريق الحل ” فإذا أصبت فلي أجران  ، وإن جانبت الصواب أو جانبني الصواب فلي أجر واحد ، وأجر واحد ليس بالحظ  اليسير في زمننا هذا . والحمد الله في الأول  والآخر.

Print Friendly, PDF & Email
مقالات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

img
القائمة البريدية
img