img
البَحْثُ عَنْ قَبْرٍ لعزِّ الدين القَسَّام
img
Print pagePDF pageEmail page

البَحْثُ عَنْ قَبْرٍ لعزِّ الدين القَسَّام

مطولة درامية حوارية

 

(1)

أحملُ مصباحَ «ديوجينَ»، وأمْضى

روحًا هيمان

أبحث عن رجل بين الأحياءْ

يا من يهدينى لطريقٍ

يحملنى للإنسانْ!!

للرجل الإنسانْ!!

لكن النهرَ الفياضَ بوطنى صارَ عقيمًا

لا ينجبُ إلا الفقاعات

والأرضَ المعطاءَ الحبلى

ما عادت تنبتُ إلا القاتْ..

والمعتقلات

يا من تحملُ مصباحك فى التيه الأعظم

إن تهتف فى عصر الغربةْ:

«لا قوة إلا بالله

تخرِسْكَ ألوفُ الأصواتْ:

«لا قوة إلا بالعُزَّى…

لا قوة إلا باللاتْ..»

فالعصرُ مَواتْ

عصرُ الأنطاع الأوثانْ…

عصرُ الخصيانْ

عصرُ العُرجانِ العِميانْ

لا عصرُ الرجلِ الإنسانْ

ـــ

يا شاعرَ عصرِ الغربةِ.. والكربْة

أَطفِئْ مصباحَكْ

وَفّر زيتكَ

وتوكلْ

لا تبحثْ عمَّن تطلبُ فى الأحياءْ

من تبحث عنه استُشْهِدَ.. ماتْ

منْ تبحثُ عنهُ محضُ رفاتْ

اطلبْه هناكْ

فى أرضِ المسْرَى  فى الأمواتْ

(2)

يا عزَّ الدين القسّامْ

يا ابنَ الإسلامْ

يغلبنى الشوقْ

يهتف فى أعماقى صوتٌ من أعماقِ الغيبْ

يهزُّ كيانى

كى أسعى نحوكْ

أن أمضى للقبر الثاوى فى أرضِ المسْرى المنهوبة

أستنشقُ عَبَقَ المجدْ

فى طِيبِ اللحدْ

ـــ

لكنْ قَالُوا لى:

«حتى تجتاز حدودَ الوطن إلى الأرضِ المسلوبةْ

إذنُ الملِك المنصور ضرورةْ.

تذهبُ للقصر العامِر

وتسجلُ إِسمك فى دفترْ

يُسْمَى بسجلّ التشريفاتْ

تحت عباراتٍ تكشفُ عن إخلاصٍ وَافٍ

لا أيِّ عباراتْ»

ـــ

لكنْ…

لا أدرى ماذا أكتبْ

ولقد عشتُ شريفًا

وعفيفًا

أُمضى سنواتِ العمرِ رفيعَ الرأسِ نظيفَا

ملكًا يحتقر التاجْ

مملكتى قلبٌ نبويٌّ

وسلاحى قلمٌ نوويٌّ

لم ينبض إلا بالحق

ينشقّ الصخرُ  ولا ينشقْ.

لكنَّ كرامةَ ذاتى مهما عَظُمتْ

يغلبها الشوق إلى الأحباب

فى عصر يحكمهُ الخصيان بِشرع الغابْ

معذرةً يا نفسُ

هوْنى لحظةْ

أو لحظاتْ

من أجل شهيدٍ ظلَّ يقاتلُ حتى ماتْ

(3)

[مسئولُ التشريفات -على ما يبدو- رجل طيب

ْاستنتج أنى قرويٌّ طيّبْ]

أملانى.. اكتُبْ:

«مولايَ الملكَ المنصورَ.. طويلَ العمْرْ

يسعدنى أن تأذنَ لى

أن أرحلَ لزيارة قبر عزيزٍ ماتْ..

استشهد….»

– [ويرن التلفون بحجرة رجل التشريفات

يتوقف رجلُ التشريفات عن الإملاء

يظهر أن المتحدث ذو حيثيَّة

فرئيس التشريفات

نبرته فى الهاتف جدُّ خفيضةّ

تتدفقُ بالأدب الجمّْ

ماذا لو أكملُ شخصيّا باقى الفِقْرة

مادام سيادته مشغولاً…

أكملت]:

«استشهدَ من زمِن  زاد على نصفِ القرنْ

فى أرض الأقصى المسلوبة

وأخيرًا أدعو لجلالتكم بالسعدِ وطولِ العمرْ»

توقيع:

المخلص جابرُ «إِبنُ» قميحةْ

أستاذ فى جامعة تدعى «عين الشمس»

والألسُن اسم الكلية

ومعارٌ للعام الخامس فى الجامعة الإسلامية

(4)

[رجلُ التشريفاتْ

يضعُ السماعة فى عصبيّةْ]

-هيه.. أسْمِعْنى ماذا أمليتُ عليك

– أمليتَ سيادتُكم جزءًا

وشُغلتم بالتلفون..

 

أكملتُ أنا الباقى حتى لا أهدرَ وقت سعادتكم

– أَسمعنى كلَّ المكتوبْ

– «مولاى الملك المنصورَ.. طويل العمرْ

يسعدنى أن تأذن لى

أن أرحلَ لزيارة قبر عزيز ماتْ

استشهد من زمن زاد على نصف القرن

فى أرض الأقصى المسلوبة

وأخيرًا أدعو لجلالتكم بالسعدِ وطولِ العمرْ»

توقيع:

المخلص جابرُ «إِبنُ» قميحةْ

أستاذ فى جامعة تدعى «عين الشمس»

والألسُن اسم الكلية

ومعارٌ للعام الخامس فى الجامعة الإسلامية

ـــ

[ويثورُ رئيس التشريفات بصوتٍ كزئير الريحْ]

– يا عجبًا.. تعجلُ فى إكمال كلامى بكلامٍ لا يحملُ معنَى..

عندكَ أولاد؟

-خمسةْ… غيرُ رفيقة عمرى… الزوجة

– أَتريدُ ترمِّلُ زوجَكَ يا مسكينْ؟

– أتريدُ تيتِّمُ أولادك؟

أوْ فى أحسن فرضٍ تغلقُ أبوابَ المستقبل فى أوجُههمْ؟

 كلماتك حتى الآن..

لا تكشفُ عن جوهرِ إخلاصِك

– ماذا أفعل؟

أشْطُبُ ما خطَّت يمنايَ..

وهذى المرة لا أكتبُ إلا ما تُملى

-هِهْ.. أستاذٌ فى جامعةٍ يجهلُ

أنَّ الشطبَ بمستندٍ رسميٍّ يعتبرُ جريمةْ!!

وسجلُّ التشريفات

فى قانون الدولة – إن لم تعلمْ-

أعلى مستندٍ رسميْ

لكنْ… أكملْ… اكتبْ:

«ملحوظة:

مثل العنوانْ..

تُكتب فى الآخر لكنْ فى الأول تُقْرَأْ

ما أنسانِيها الشيطان

بل أنسانيها شدة إحساسِى..

فيضُ شعورى

بجلال الملك المنصورْ

يا منصورُ أدامَ ا< بقاكْ

وأذلَّ ا<ُ عِداكْ

أنا لا أنتسب لحزب أيّا كانْ

وليسَ وراء زيارة هذا القبرْ

ما يدعوهُ الناسُ سياسة

أفديكَ -طويلَ العمر- بروحى وبأولادى

وبآبائى، وبأجدادى، وبأحفادى، وبجامعتى،

وبما تملك -يا منصور- يمينى

التوقيع: المذكور بأعلى الصفحةْ

(5)

[وهنالِكَ فى صدرِ البهو الأعظم

وعلى عرشٍ من ذهب إبريزْ

كانَ طويلُ العمرِ مهيبًا يجلسْ

ولأنَّ الملكَ المنصورَ يحبَّ الشعرْ

صدح الشعراء بما نظموا

كانوا قيعانًا.. غربانًا

نعبتْ بنقاقٍ منكوسْ

القاع الأول:

خيبان بن الهايف… يمضى فيقول:]

بسيفك يعلو الحقُّ والحقُّ أغلبُ

وترعبُ إسرائيلُ إن شئتَ تضربُ

فسيفُك من  نارٍ تَمجُّ.. لهيبَها

وليس لهم من نار سيفك مهربُ

إذا كان دينُ القوم غدرًا وخسةً

فإن الجهادَ المرَّ عندك مذْهبُ

بسيفكَ يا منصور أنتَ مُغَلَّبُ

وشارون مقهور ذليلٌ يُغَلَّبُ

وشتان ما طودٌ أشمُّ وقاعُه

وشتان ما ليثٌ هصورٌُ وأرنبُ 

ـــ

وسمعتُ القاعَ الثانى

عنينَ بنَ المجبوبِ يقول:

ما شئتَ لا ما شاءتِ الأقدارُ

لا سيفَ إلا سيفُك البتَّارُ

فرِّقْ بسيفكَ جمعَ كلِّ كتيبةٍ

فالسيفُ فى يمنَاك عزمٌ نارُ

ولأنت منصورٌ وغيرُك مدبرٌ

متعثرٌ، متمزقٌ، منهارُ

يا أيها المنصورُ دمْتَ مظفّرًا

حتى يُنَال على يديك الثَّارُ

ـــ

وسمعتُ القاع الثالث: وسنانَ بنَ الهرمةِ يُنشده:

إذا نطقَ الأعداءُ فهْو هُراؤهمْ

وإن نطقَ المنصورُ فهو جهنمُ

وسيفَكَ إن تَرفَعْ بوجه عدُوّنا

تهتَّك وجهُ الليل والليلُ أبهَمُ

ويُذْهَلُ «شارون» إذا ما بَدَهْتَهُ

فلا قلبُه قلْبٌ ولا ينطقُ الفمُ

إذا ما عزمتَ العزمَ ذابَتْ جيوشُهم

فليسَ يُرى إلا الجماجِمُ والدم

(6)

يا عزَّ الدين القسامْ

يا بنَ الإسلامْ

ما اهتزّت نفسِى للشعراءِ الغربانِ

القيعان

جوقِةِ كل بلاطٍ فى كلِّ زمانْ

لكنى اهتزّ كيانى الموجوعُ

وتَمزق قلبى المصدوعُ

إذ أسمعُ سيفَ المنصورِ

ينشج فى صوتٍ مصدور

يتحدث بالهمس المخنوقِ لَغمده:

– أطلقنى

<… ولوْ لحظةْ

فُكَّ إسارى – يا غمدُ- ولو لحظةْ

إنى أختنقُ وأحتَضرُ

من سنوات

وأنا فى لحْدِكَ أحترقُ

وعْدًا منِّى

أطلقنى أتنفسُ لحظةْ

ثم أعودُ إليك

– لا.. لا أقدرُ يا مسكينُ على ذلكْ

فأنا أعلمُ

– إنك أيضا تعلم يا مسكين –

أنك عبدُ المأمورْ

وأنا لا أعدو كونى عبدَ المنصورْ

أنا يا خِدْنى ما أغمدتك طوْعًا فى أحشائى

فوجودُك يحزننى.. يُؤلمنى

يُدْمى بنْيانى..

يُصْدئُ جُدْرانى

لكنَّ الملكَ المنصورَ طويلَ العمرْ

أصدر فرمانًا مرقومًا

بالسابع والستينَ وتسعمائةٍ بعدَ الألفْ:

نصُّ المرسوم- على ما أذكر-:

«باسم الشعْب

مرسومٌ لا يقبلُ نقضًا أو إبرامْ

يُتحَفَّظُ فى الغمدِ على سيفِى هذا

إكرامًا لجلال السيفْ

[تفسير]:

قد جاءَ قرارى – نحنُ الملكَ المنصورْ-

من منطلقٍ إنسانيٍّ بحتْ

فأصونُ جلالة سيفى أن تتنجَّسَ بدم الكفار

وأنا الملكُ الطاهرُ من نسل الأطهارْ

أجنحُ للسلْمْ. ما أبشعَ -فى نظرى- لونَ الدمْ»

(7)

يا عزّ الدين القسامْ

يا بنَ الإسلامْ..

وتركتُ السيفَ بقصر الملكِ المنصورِ

يجودُ بآخِر أنفاسهْ

وشهدتُ الخيلَ بساحِة قصرِ المنصورِ

طويلِ العمرْ

تتثاءَبْ…

تَتَمطَّطْ…

تتمرغُ فى أعشابِ الذلْ

تثقلُها أسرابُ ذبابٍ ترقدُ فى أعينِها

تمتصُّ الباقى من لمعانٍ وبريقٍ

ورثتهُ من خيلِ الخندقِ واليرموكْ…

سَلها.. صدِّقنى

غشيتْ أعينُها فى ليلِ القصرِ

حبيسةَ ذلٍّ وخنوعْ

ما عادتْ – يا عز الدينِ – تشاهدُ صُبحَا

أو تضبحُ ضبحَا

أو تورى قدْحَا

أو تبعث نقعًا

أو تتوسط جمعًا

… فأتيتُ إليكْ

أبكيكَ بماء القلبِ.. وأبكينى

علَّ دموعى تطفئُ ما يجتاح ضلوعى

من أوجاعى

أبكى سيفًا يستصرخُ

مخنوقا.. محروقا فى زنزانِة غمْدْ

أبكى خيلاً سلخوا منها الصهواتْ

نسيتْ معنى الكرّْ

ومعنى الفرّْ

ومعنى الأمْرْ

ومعنى النهضة للنجْداتْ

نسيتْ شكلَ القائِد والفرسانْ

فى زمن الذلة والغَثَيانْ

زمن القيعانِ الغربانْ

والخصيانْ

(8)

لكنْ ضلَّت قدمايَ إلى قبركْ

ربَّاهْ…

إنى لا أجهلُ هذا القبرَ فكيفَ أضِلّْ!!؟

… ربّاه!!!

ورأيت بكفِّ صَبيٍّ صهيونيٍّ شاهدَ قبرِكْ

وعليه بقايا خط منقوش

«… هذا قبر البطلِ القسامْ

.. عزِّ الدين القسَّام..

استشهِدَ فى ال…..»

والباقى مَمْحُوٌّ – يا عزَّ الدين – من الشاهدْ

والشاهدُ فى كف الطفلِ الصهيونى

مضربُ كرةٍ يلهُو بِهْ

– يا ولدى…

إنى من وطٍن يُدّعى «الوطنَ العربيْ»

– العربيْ؟؟!!

لكنَّ مدرِّسةَ الجغرافيا

قد أنهتْ مَنْهَجَهَا الأمْسْ

ما ذكرتْ أنَّ خريطةَ هذَا العالم كُلِّه

فيهَا وطنٌ يُدْعَى الوطنَ العربى

– لا يا ولدى… وطنٌ ذو علمٍ مشهورْ

ومليكٍ يُدْعى المنصورْ..

 

– منصورْ؟؟! شَيْءٌ مُضْحِكْ.

أستاذ التاريخْ

لم يذكرْ شيئًا عنْ شَيْءٍ يُدْعَى المنصورْ

– يا ولدِى.. دعْنَا.. مِنْ هذا

تتكرمُ.. تُعطينى الشاهدْ؟!

– شاهدْ؟؟!!

– تعطينى اللوحَ الحجريَّا

– أُوهْ!! تَعْنى المَضْرِبْ؟!

– أعنى المَضربْ…

– لا… لا أقدرْ…

أختى وجدَتْهُ خلْفَ الحانةْ…

هَذِى الحانة

ومحوْنَا وَسَخًا أسودَ… كانَ عليه –

نُقطًا… وحروفا لم نفْهمْها

لكنْ مازالتْ فيه بَقيَّةْ…

وَعَدتْنى أمِّى أن تمْحُوَها.. بالسكّينة أو ماء النار

– تعطينى المَضْرِبَ يا ولدى بمقابل قطعِة شكلاتهْ

– شكلاتَهْ؟؟!

أمى تَنْهانى عنْ أكِل الحَلْوى والشكَلاتهْ..

انظرْ أسْنانى -قالت أمى-

تتآكلُ مِنْ أكل الحلْوى

– لا حلْوى…

تعطينى المَضْرِبَ… أعطيكَ جنيهًا

– ولماذا؟

– لى ولدٌ مثلُك أُهديه المضربَ فى عيد الميلادْ

– لكنْ يمكنُك بهذا المبلغِ… بلْ نصفِه

أن تحضرَ أجملَ بكثيرٍ من هذَا اللوحِ الحجريِّ

– يا ولدى…

عجبًا أن ترفضَ أن تعطينى شيئًا

– فى الواقع – لا قيمة لهْ

– إن كان صحيحًا ما تذكرْ

فلماذا تدفع فيه جُنيْه؟

– يا وَلدى.. إنى.. أصْلى.. أعْنى.. لَكنْ.!!

لكنى أبْغى هذَا المضربَ بالذاتْ

– لا أقدرُ

قالت لى أمِّى: «إنَّا فى وطنى الأعظمِ إسرائيلْ

لا نمنح شيئًا للغرباءْ

أن نأخذَ.. آهْ

أن نعطيَ.. لا 

فالأخْذُ غَنِيمةْ

والَمنْحُ – كما قالت أمى – إِثْمٌ وجريمةْ

أستاذ التربية القومية فى مدرستي كرَّر ذلك

(9)

يا عزَّ الدين القسامْ

يا بنَ الإسلام

فى ساحة قبرك ما عادَ هنالِكَ قبرْ

لكنَّ مكان القبرِ بناءٌ يسبحُ فى الأنوارْ

وأمامَ المبنى لافتةٌ زِينتْ بالأزهارْ:

حانةُ كوهين الكبرى

الحانةُ تسهرُ حتى الفجرْ

موسيقا.. وعشاءٌ راقصْ

برنامج حافلْ

«داليدا» تشدو

أغنية ما غنتها قبلُ بحانةْ

اسمُ الأغنيَّة «كعكُ العيد»

لحنها الموسيقارُ الأعظم

… «شأموْبيد»

وقرأت هنالك أيضًا

فى لوحة برنامج هذى الليلةْ

«سالومى فى رقصةِ عِشقٍ

ما رقصتها إلا سالومى التوراةْ

(رأس يُحَنا) إسمُ الرقصَةْ

بعدَ الرقصةِ تُطفأ فيِ الصالةِ كلُّ الأنوارِ

لخمسِ دقائقْ

(10)

يا عز الدين القسَّام

يا بنَ الإسلامْ

وهنالك بعد الليل الفاجرْ

سقطَ القوم نشاوَى

وزحفتُ أعانِى سُكرْ النكبةِ والمأْساةْ

ونبشتُ الجدرانْ

وحملتُ رفاتَكَ من قاعِ الحانْ

وزحفتُ بأرض فلسطين وأرضِ العربِ المسروقَةْ

أبحثُ عن قبرٍ…

كهْفٍ…

شبرٍ فى الأرضِ

أَوارى فيه رفاتَكْ

لكنْ أعياني البحثْ

أدمَى قدمَيَّ الإعياءْ

ما عاد هنالِك فى الوطنِ العربى مكانٌ

يتسعُ لقبر شهيد

أرضُ الأوطانِ العربيةِ

شُغلتْ يا عز الدين القسَّامْ

والخالى من أرضِ الأوطانْ

قدْ سُوِّرَ بالأسلاكِ الشائكة الصمَّاءْ

وعليها لافتةٌ كتبتْها أقلامُ الذلِّ

بخطٍّ دَاعِرْ:

«محظورْ…

التصويرُ هنا محْظُورْ

محجوزْ…

 

محجوزٌ لبناءِ عماراتٍ للإسكانِ الفاخرْ

محجوزْ…

محجوزٌ لمشاريعَ سياحيةْ

محجوزْ…

محجوزٌ لاستثمار عاجلْ»

(11)

يا عزَّ الدينِ القسامْ

يا صرخةَ حقٍّ نبَعتْ من روحِ الإسلامْ

يا أَلَقَ وسامٍ فى صدرِ الأيَّامْ

لم يَبْق مكانٌ لرفاتِكَ

فى أرضِ الوطنِ العربيِّ المسروقْ

وطنيِ المسحوقِ المحروقْ

معذرةً يا عزَّ الديْن

أعيانى البحث

وكأنى قابيلٌ يحملُ جثمانَ أخيه

لكنْ…

أنَّى لى بغرابٍ يبحثُ فى الأرْضِ

يُرينى…

أينَ أوارى يا عز الدين رُفَاتَك؟

معذرة لا ألمحُ فى الأفق غرابَا

معذرةً…

لا أملكُ إلا أنْ أزحفَ فى هدأةِ ليلى المصلوبْ

لأعود إلى لحانِ المخمورْ

وأوارى تحت جدار الحانِ رفاتَك

وأهيلَ تراب الموتِ عليكْ

ولأخمَد أنفاسِى بين يديكْ

وأوسِّدَ فى القبرِ السافلِ

جثمانَ الشرف العربْى

ـــ

صرْنا يا عز الدين ثلاثةْ

لا… بل خمسةَ فى قبرٍ واحدْ

يعلوه الحان المخمورُ:

فى البدْءِ رفاتٌ مقهورُ

وفَتى يحيا عصرَ الغُرْبةْ

ينظمُ شعرًا

يُمليه القلبُ المفطورُ

والشرفُ العربيُّ الدامى

وحصانٌ مسلوخُ الصهْوةْ

والخامسُ سيف المنصور

مثلومَ النخوةِ والسطوةْ

أصدأه الغمدُ السجانُ

وهوانٌ يتْلوهُ هوانُ

وَلْيَحْيَ الملِكُ المنصورُ طويل العمر

 

Print Friendly, PDF & Email
أشعار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

img
القائمة البريدية
img