img
إلا القصة يا مولاي! [5]
img
Print pagePDF pageEmail page

همسًا في أذن القذافي

إلا القصة يا مولاي! [5]

 

القذافي يطالب بحذف فعل الأمر (قُلْ) من القرآن الكريم، وهذا يقتضي تعديل نصف سور القرآن الكريم أي سبع وخمسين سورة ذكر فيها هذا الفعل…

 محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم في نظر القذافي مجرد “بوسطجي”.

والمسلمون – في نظره- وثنيون مشركون لأنهم يصلون على النبي، ويسلمون تسليمًا (1).

والسنة النبوية – في نظره- منكرة، ولا تصلح أن تكون المصدر الثاني من مصادر التشريع.

وما يكرم الله به بعض أوليائه من الصحابة من آيات أو “كرامات” كأم أيمن، وخبيب، وخالد بن الوليد، مرفوض في نظره، وكذب وافتراء حتى لو أثبت العلم الحديث جواز وقوعه.

وابن تيمية، وابن كثير، وسيد قطب، والسلفيون مرفوضون ولا قيمة لعلمهم وفقههم.

 كل أولئك يمثل الرؤية الفكرية للقذافي وملامحه العَقَدِية طرحها الرجل بصراحة، وتلبَّس بعضُها ببعضها الآخر في خطبه “ومجموعته القصصية” (2)، وما دامت الأمة من منظور القذافي أصبحت على شرك وضلالة، فلابد من ثورة تعيد إليها دينها، وتعيد إليها دينها، ومن ثم قامت الثورة الليبية.. ثورة الفاتح من سبتمبر التي يسميها القذافي “الثورة التصحيحية للإسلام، وثورة التوحيد”.. يقول في خطابه (19/2/1978م): “المسلمون في حاجة إلى ثورة الفاتح من سبتمبر العظيمة لأنها ثورة التوحيد، هذه هي الثورة الثقافية.. لكي يعود أبناؤنا إلى الصراط المستقيم مستقبلا..”(ص 28).

“إن ثورتنا تصحح الإسلام إلى جانب قيام الاشتراكية, أو سلطة الشعب والتسليح، وستحاول هذه الثورة أن تبعث الدين الإسلامي إلى ستمائة مليون مسلم، وأن تعممه في كل الكرة الأرضية بإذن الله، وبذلك نكون قد أدينا واجبنا..”(ص:30).

ولننظر إلى هذه المصطلحات الثلاثة التي استخدمها القذافي: التوحيد.. الثورة الثقافية.. الاشتراكية (3)، ولست أدري كيف يتفق التوحيد بمنطقه الرباني النقي النزيه مع المصطلحين المشبوهين بل المارقين الآخرين، وتاريخهما القريب معروف، وانطلاقهما من جعبة الشيوعية ومعطف الشيوعيين لا يجهله أحد.. وهذا التجميع، أو هذا التلفيق يذكرني بقول عمر بن أبي ربيعة:

أيُّها المنْكح التًّريا سُهيْلا     عمْرُك اللهُ!! كيفَ يلتقيان؟

هي شاميةُ إذا ما استقلًّتْ       وسُهَيْلٌ  إذا  استقل يماني

القذافي يفسر القرآن!!

وإذا كان القذافي قد فجر “ثورة التوحيد” – على حد قوله- كان لا بد لهذه الثورة من تفسير للقرآن يتفق مع مراميها، ويحدد لها مسارها، طبعًا تفسير ابن كثير مرفوض ؛لأنه من الكتب الصفراء، وتفسير سيد قطب “في ظلال القرآن” مرفوض.. مرفوض.. مرفوض ؛ لأنه  تفسير باطني إلحادي في نظر القذافي، وقفزت إلى ذهنه خاطرة بارقة … صاح على إثرها – كما صاح نيوتن.. “وجدتها.. وجدتها.. لماذا لا أكون أنا المفسر؟!”.

 على رسلك – يا عزيزي القارئ- فأنا لا أفتات على الرجل، فهو يقول في خطابه المشهور بالحرف الواحد: “إن هذا الكتاب (الجزء الأول من الكتاب الأخضر) ترجمة أو تفسير لآية واحدة من القرآن الكريم.. وهي “وأمرهم شورى بينهم” , إذ لا معنى عمليا لهذه الآية إلا بقيام المؤتمرات الشعبية، واللجان الشعبية، والنقابات المهنية، حيث تصبح هذه الأمة تتشاور في أمرها. هذه آية واحدة فقط..  يتكون منها فصل من هذا الكتاب (الأخضر) الذي يُعَدَّ هامًا إلى حد كبير، والذي ربما يغير من وجه العالم إذا طبق على نطاق واسع، ولابد أنه سيكون نافعا للتطبيق مستقبلا، فهذا الكتاب كله تفسير لآية واحدة “وأمرهم شورى بينهم” ومعنى ذلك أنه ستعمل المجلدات الضخمة لتطبيق القرآن لو تم تفسير كل آية فيه.._ص4-6).

وينطلق القذافي في خطابه مدعيًا أن الجزء الثاني من الكتاب الأخضر وهو بعنوان (الاشتراكية) تفسير وتطبيق لعدد من آيات القرآن..(ص 37،38).

والتفسير القذافي لآية الشورى بأنه ليس لها معنى عملي إلا بقيام المؤتمرات الشعبية، واللجان الشعبية.إلخ (هكذا بأسلوب القصر والحصر)، يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم والرعيل الأول من المسلمين، لم يأخذوا أنفسهم بالمفهوم أو التطبيق العملي لهذه الآية(4).

قواعد التفسير بالهوى..

إن فتح باب التفسير لكل من هب ودب..- دون أن يتمتع بالقدرات العلمية والفقهية واللغوية- يعني الإساءة إلى كتاب الله وإفساد العقيدة، واختلاط المفاهيم، فليس من قبيل التعنت أو التعسف إذن أن يشترط العلماء توافر شروط متعددة لمن يتصدى لتفسير كتاب الله منها: صحة الاعتقاد، والتجرد عن الهوى، ودقة الفهم، والعلم باللغة العربية وفروعها، وأصول العلوم المتصلة بالقرآن، والاعتماد بصفة أساسية في التفسير على القرآن نفسه، ثم السنة، ثم أقوال الصحابة والتابعين(5)، هذا عدا آداب نفسية وخلقية متعددة(6).

واستمرأ الكاتب العقيد تفسير القرآن – بطريقته الخاصة فوسع منطقة نفوذه التفسيري حتى استوعبت “مجموعته القصصية”، وخلاصة طوابعه وملامحه التي تنطق عنها طريقته في التفسير وعرض الشواهد القرآنية:

1-   الحماسة لفكرة مسبقة بإصرار وانفعال متأجج لا يهدأ إلا بإقحامها في قوة ومحاولة إثباتها بأي حساب.

2-   الفقر اللغوي والفقهي: فالرجل –  للحق- بريء من معرفة ما يسمى بقواعد التفسير، ودلالات الألفاظ، ومعانيها في السياق، بله أسباب النزول والأحكام الفقهية.

3-   العفوية والسطحية إلى حد السذاجة، وذلك بتحكيم مفاهيم ومعايير –  لا أقول عامة- بل أقول: عامية معاصرة في فهم بعض الآيات.

4-   التسرع بل الانطلاق – دون تأن وحيطة- إلى إصدار أحكام غالطة مؤسسة على فهم غالط للآيات.

في أول (قصة) في “مجموعته القصصية” وعنوانها “المدينة”، وفي مقام إزرائه بالحياة في المدينة، وبالمدينة نفسها يقول: “المدينة مقبرة الترابط الاجتماعي.. وبطبيعة الحياة فيها يصبح هدفها هو المنفعة والفرصة، وأخلاقها النفاق “ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ” (التوبة:101)، ويصير لكل شيء ثمن مادي تتطلبه حياة المدينة..”.

والاستشهاد القرآني هنا في غير محله، وهذا يقطع بأن القذافي لم يفهم الآية، فاعتقد أن المدينة في الآية هي ما يقابل القرية مع أن المقصود هنا: “يثرب”، وتمام الآية: “ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ” (التوبة: 101)، أي المنافقين الذين لجوا في النفاق فئتان: فئة تسكن الصحراء (خارج المدينة مثل قبائل أسلم، وأشجع، وغفار)، وفئة من أهل المدينة “يثرب” نفسها يسكنون داخلها، والله يعلمهم وقد أنذرهم الله بالعذاب في الدنيا والآخرة.

ومن ثم نرى القذافي قد ارتكب خطأين:

الأول:  أنه توهم أن “المدينة” في الآية هي مقابل “القرية” مع أنها اسم علم على مدينة معينة وهي التي كانت تسمى في الجاهلية “يثرب”.

والثاني: أنه توهم أن النفاق من الملامح الفارقة للمدينة، مع أن الآية بتمامها تبين أن المنافقين كانوا في المدينة وما حولها من قرى ومضارب القبائل في الصحراء، بل إن المنافقين خارج المدينة – خصوصًا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم –  كانوا أشد وأضرى على المسلمين من منافقي الداخل.

والقرية.. القرية

وبقدر احتقار القذافي للمدينة وحملته عليها كان اعتزازه بالقرية وحبه لها إلى درجة التقديس، ولأنه ولج عالم التفسير، نراه ينتزع آيات من القرآن الكريم، ويوظفها “لصالح” القرية تبعًا لهواه وحبه الغالي لها، وهي الآيات التي تعرض مظاهر الجمال في الطبيعة، ويحكم بأنها نزلت خاصة للقرية.. نعم للقرية.. وفي القرية.. دون المدينة.. يقول القذافي في “قصته!” “القرية القرية” (ما أجمل القرية والريف..!! الهواء النقي، الأفق الممتد، السقف السماوي المرفوع بلا عمد.. انظروا إلى هذه الصورة الرائعة التي يرسمها القرآن لدنيا القرية والريف.. “.. فَلاَ أُقْسِمُ بِالشَّفَقِوَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَوَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ..” ليس للمدينة قمر، ولا شمس ولا شفق ولا غسق) (ص27).

“القرآن يقول: “ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَاوَالْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَاوَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَاوَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَاوَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَاوَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا” تلك صورة رائعة لدنيا القرية والريف، كذلك قوله “ وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى“.. ليس ثمة وقت في المدينة، وليس فيها ليل أو نهار، ما بالك بالشفق والغسق والفجر والشفق!!”. (ص28).

الأخطاء القاتلة

وكلام القذافي هنا غارق في الأخطاء.. ونورد بعضها بإيجاز في السطور الآتية:

1-    اعتقاده بأن (وسق) اسم، فهو يقول “فما بالك بالوسق والغسق والفجر والشفق” مع أن الكلمة فعل ماض بمعنى جمع ما دخل عليه من ظلام والدواب وغيرها(7)، والكلمة لم تستعمل في القرآن اسمًا، ولكنها استعملت فعلا، ولمرة واحدة في الآية 17 من سورة الانشقاق.

2-    ما ذكره من اختصاص القرية دون المدينة بهذه المظاهر، وأن هذه الصور من شفق وغسق وشمس وضحى وسماء وأرض وفجر إنما قصد بها القرآن رسم مشاهد للقرية والريف.. ولم يقدم دليلا واحدًا على صحة هذا الادعاء.

3-    أنه اعتقد أن المفهوم الحديث للقرية –  بمعنى أنها البلد الريفي الذي يسكنه فئات من الناس يعملون بالزراعة غالبا، ويكون أصغر من المدينة.. أقول اعتقد القذافي أن هذا هو المفهوم القرآني للقرية، وهذا خطأ فادح، فالقرية في القرآن الكريم، وقد ذكرت فيه ستا وخمسين مرة مفردًا ومثنى وجمعًا – لا تقابل المدينة، فقد خوطبت بعض المواقع تارة باسم قرية، وتارية باسم “مدينة” كما نرى في قوله تعالى عن الخضر وموسى – عليهما السلام- فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُّرِيدُ أَن يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا” (الكهف: 77)، وقد وردت الإشارة لهذه القرية باسم “المدينة” في السورة نفسها في قوله تعالى – على لسان الخضر- “ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ ” (الكهف: 82).

وبعد الاستقراء الشامل لاستعمال كلمة القرية – في القرآن الكريم- يمكن استخلاص أن القرية هي تجمع سكاني مستقر،ولم يحدد في القرآن الكريم حجم القرية أو عدد سكانها، ولكن بما أن الرسل قد أرسلوا لسكان القرى، فمن الأرجح أن يكون عدد سكان القرية كبيرًا، فقد أرسل نبي الله يونس – عليه السلام- إلى مائة ألف أو ما يزيد على هذا العدد  وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ” (الصافات: 146).

وورد لفظ القرية عامًا بمعنى أن القرية لا تنحصر بمكان معين، كما ورد ليدل على مكان مخصوص محدد الملامح والرقعة، وهي في الاستعمال القرآني – كما أشرنا- لا تقابل المدينة، ومن هنا يكون التحديد الحديث في أن القرية ترتبط حياة سكانها بالزراعة، وأن القرية هي أصغر من المدينة لا وجود له في القرآن الكريم، والأرجح أن القرية في المفهوم القرآني هي المصر الجامع، أو أي تجمع سكاني اتخذ قرارًا وسكنًا(8).

عمارات الجنة

فلنترك القرية، ولنذهب إلى قصة!! “الأرض.. الأرض” وهي تمثل دعوة قوية إلى زراعة الأرض واستنباتها، وعدم العدوان عليها، وهي دعوة يجب أن نتبناها جميعا، بعد أن زحف الناس إلى الأرض الزراعية، وأحلوا البيوت والعمائر والمصانع والحوانيت محل الأشجار والنخيل والنباتات.

إنها دعوة سديدة قويمة بلا جدال، ولكن غير السديد وغير القويم هو ما استند إليه “الكاتب العقيد” في تأييد دعوته وتدعيمها، فهو يقول بالحرف الواحد، “الأرض.. وحيدة لا بديل لها، ولا عوض عنها، فأين تذهبون؟ الجنة خلقت أشجارًا، ولم تكن طرقا وأرصفة وساحات وعمارات..”(ص 33).

والمفسر..أي مفسر – حتى يسلم تفسيره من الخطأ أو النقص- عليه أن يستقرئ كل جزئيات الموضوع الذي يعرضه للتفسير، فإذا ما أراد أن يصدر حكمًا يتعلق بالجنة مثلا كان عليه – بداهة- أن يستقرئ كل ما قيل بشأنها في القرآن والأحاديث النبوية، حتى لا يصطدم بما ينقض هذا الحكم، فهل فعل “مفسرنا” معمر القذافي ذلك؟

الواقع يقول لا.. مما يقطع بأنه لم يقرأ أجزاء كثيرة من القرآن.. وأن حماسته المتأججة لفكرته قادته لحكم غالط، فالجنة فيها أشجار وأنهار، وفيها كذلك عمارات وبيوت وقصور وغرف، وهاهو ذا بعض المعروض القرآني، وهو ينقض ما ذكره القذافي:

1-      لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَعْدَ اللهِ لاَ يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعَادَ ” (الزمر: 20). 
يقول النسفي في تفسيره: “أي لهم في الجنة منازل رفيعة، وفوقها منازل في الجنة أرفع منها(9)، والبيوت العالية هي التي نسميها في وقتنا الحاضر “عمارات”.

2-      وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَة فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ” (التحريم: 11).  
فالجنة إذن فيها بيوت، وإلا ما دعت امرأة فرعون هذا الدعاء.

3-      تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِّن ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورًا“(الفرقان: 10).  
فالجنة إذن فيها قصور أعدها الله للمؤمنين من عباده.

4-     “… وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ” (سبأ: 37).

من كل ما سبق نرى أن كاتبنا القذافي قد ظلم نفسه – وظلم غيره أيضًا- حين ورط نفسه- مختارًا بإرادته – فحاول تفسير بعض آيات القرآن , وهو لا يملك من  آليات التفسير وقدرات المفسر شيئا، كما جاء استشهاده بآيات القرآن الكريم في غير محلها.

وأعتقد – بعد الذي عرضناه- أن القارئ معي فيما وصفت به “المفسِّر القذافي” آنفا من حماسة حادة لأفكار مسبقة ينشد لها تبريرات وأسانيد من القرآن الكريم، ومن فـقر لغوي وفقهي ,ومن عفوية وسطحية تصل إلى حد السذاجة، وذلك بتحكيم معايير عامة معاصرة في فهم بعض الآيات.

وأخيرًا ما رأيناه منه من تسرع.. بل انطلاق إلى إصدار أحكام غالطة مؤسسة على فهم غالط للآيات , كقولة أن الكتاب الأخضر هو التفسير الوحيد الصحيح لآية الشورى.. وأنه لا شورى إلا باللجان الشعبية.. إلى آخر هذا الهراء.. ولحديثنا صلة.

 

 

الهوامش:

([1]) يقول تعالى: (إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (الأحزاب: 56).

(2) أذكر القارئ بأن وصفي لأعمال القذافي “بالقصصية” من باب التساهل والتسامح الشديد جدًا، وسنرى في حلقة قادمة أو أكثر حظ هذه المجموعة من الطوابع القصصية.

(3) التجربة – كما يقولون- هي الحكم العدل، وقد رأينا –  في شرقنا العربي كيف قادت الحكومات العسكرية “الاشتراكية شعوبها إلى الهزائم والإفلاس والاهتراءات الخلقية والاختراقات الأجنبية؟

واصطلاح “الثورة الثقافية” يرتبط بالصين، ومن الصين خرج المصطلح، وقد بدأها “ماوتسي تونج” بحملة شعبية عاتية سنة 1966، بدعوى تجديد نسيج الثورة وثقافتها وبث الروح المتقدة في بنائها..إلخ.

راجع مادة Cultural Revolution  في Columbia Encyclopedia.

(4) الشورى أساس أصيل ركين في الحاكمية الإسلامية، ولكن الإسلام لا يلزم بصورة معينة محددة للشورى، من الناحية التطبيقية العملية، فالمسألة تختلف باختلاف العصور والبيئات، المهم أن يكون هناك شورى حقيقية بعيدًا عن الجبرية والاستبدادية وحكم الفرد المطلق، وبذلك يكون قصر الشورى على شكل معين لا يتعداه مخالفا للمنظور الإسلامي وطبيعة الشورى الإسلامية.

راجع كتاب (المعارضة في الإسلام بين النظرية والتطبيق) جابر قميحة، وخصوصا الصفحات (48، 65) (دار الجلاء القاهرة ط 1988م).

(5) انظر في تفصيل ذلك كتاب مناع قطان: مباحث في علوم القرآن ص (372-374)- دار المريخ- الرياض، ط16.

(6) انظر السابق (ص 375-376).

(7) انظر تفسير الجلالين، والراغب الاصفهاني: المفردات في غريب القرآن ص (523)، (المكتبة المرتضوية – طهران د.ث).

(8) ارجع إلى البحث القيم الذي كتبه الدكتور محمد محمود السرياني بعنوان “مفهوم القرية ودلالاتها في القرآن الكريم (17-33) من مجلة ( العقيق ) التي يصدرها نادي المدينة الأدبي (فصلية): رجب – شعبان- رمضان14120- يناير فبراير- مارس 1992م.

 

(9) تفسير النسفي “مدارك التنزيل وحقائق التأويل” 3/215 (دار الكتاب العربي –  بيروت د.ث).

Print Friendly, PDF & Email
مقالات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

img
القائمة البريدية
img